كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 2)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ رَضَاعَ إِلاَّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ (1) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَظَاهِرٌ " أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الأَْحْكَامِ، وَقَال: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ إِلاَّ الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ " وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ ثَلاَثُونَ شَهْرًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً، فَكَانَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهَا، كَالأَْجَل الْمَضْرُوبِ لِلدَّيْنَيْنِ عَلَى شَخْصَيْنِ، بِأَنْ قَال أَجَّلْتُ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فُلاَنٍ، وَالدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فُلاَنٍ سَنَةً، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ السَّنَةَ بِكَمَالِهَا لِكُلٍّ، وَكَالأَْجَل الْمَضْرُوبِ لِلدَّيْنَيْنِ عَلَى شَخْصٍ، مِثْل أَنْ يَقُول: لِفُلاَنٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ إِلَى سَنَةٍ، فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الأَْجَل، فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ يَتِمُّ أَجَلُهُمَا جَمِيعًا، إِلاَّ أَنَّهُ قَامَ الْمُنَقِّصُ فِي أَحَدِهِمَا، يَعْنِي فِي مُدَّةِ الْحَمْل، وَهُوَ قَوْل عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (2) الْوَلَدُ لاَ يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِقَدْرِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ " وَفِي رِوَايَةٍ " وَلَوْ بِقَدْرِ ظِل مِغْزَلٍ وَمِثْلُهُ مِمَّا لاَ
__________
(1) حديث ابن عباس: " لا رضاع إلا ما كان في الحولين. . . ". رواه الدارقطني وابن عدي وصوبا أنه موقوف. وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وأخرجه ابن أبي شيبه موقوفا عن علي، وابن مسعود، وروى الدارقطني عن عمر " لا رضاع إلا في الحولين في الصغر ". (الدراية2 / 68)
(2) الأثر عن عائشة: " الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين. . . ". أخرجه الدارقطني 3 / 322، والبيهقي7 / 443 بلفظ: " ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عود المغزل. . . . ". وانظر نصب الراية (3 / 265) . ولم نجد الرواية الأخرى، ولم نر من تكلم على إسناده.
يُقَال إِلاَّ سَمَاعًا؛ لأَِنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لاَ يَهْتَدِي إِلَيْهَا الْعَقْل. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَدُ لاَ يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَتَبْقَى مُدَّةُ الْفِصَال عَلَى ظَاهِرِهَا (1) .
وَيَرَى زُفَرُ أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ لاَ بُدَّ لِلصَّبِيِّ مِنْ مُدَّةٍ يَتَعَوَّدُ فِيهَا غِذَاءً آخَرَ غَيْرَ اللَّبَنِ، لِيَنْقَطِعَ الإِْنْبَاتُ بِاللَّبَنِ، وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ مُدَّةٍ يَتَعَوَّدُ فِيهَا الصَّبِيُّ تَغَيُّرَ الْغِذَاءِ، وَالْحَوْل حَسَنٌ لِلتَّحَوُّل مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، لاِشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُول الأَْرْبَعَةِ، فَقُدِّرَ بِثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ.

أَجَل الْعِدَّةِ:
20 - الْعِدَّةُ أَجَلٌ ضَرَبَهُ الشَّرْعُ لِلْمُطَلَّقَةِ أَوِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ مَنْ فُسِخَ نِكَاحُهَا. فَالْحَامِل فِي كُل مَا ذُكِرَ عِدَّتُهَا وَضْعُ الْحَمْل. وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا - مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلاً - عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا أَمْ لاَ. وَالْمُطَلَّقَةُ الْمَدْخُول بِهَا غَيْرُ الْحَامِل وَالآْيِسَةُ وَالصَّغِيرَةُ ثَلاَثَةُ أَقْرَاءٍ، عَلَى الْخِلاَفِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْءِ أَهُوَ الطُّهْرُ أَمِ الْحَيْضُ، وَعِدَّةُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ وَالآْيِسَةُ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عِدَّةٌ) .
__________
(1) فتح القدير3 / 308، وقد أفاض الكمال بن الهمام في الرد على رأي أبي حنيفة وعلي رأي زفر، ورجح رأي الصاحبين والجمهور، وقال: إنه مختار الطحاوي.

الصفحة 12