كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 2)

مُدَّةُ خِيَارِ الشَّرْطِ: (1)
21 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ جَوَازَ خِيَارِ الشَّرْطِ (2) وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي، أَوْ لَهُمَا، ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا، وَالأَْصْل فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الأَْنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ، فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُل: لاَ خِلاَبَةَ، وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ (3) . وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ إِذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً وَإِنْ طَالَتْ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَجَازَ الْبَيْعَ إِلَى شَهْرَيْنِ، وَأَنَّ الْخِيَارَ حَقٌّ يَعْتَمِدُ عَلَى الشَّرْطِ، فَرَجَعَ فِي تَقْدِيرِهِ إِلَى مُشْتَرِطِهِ، كَالأَْجَل، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ (4) . وَلأَِنَّ الْخِيَارَ إِنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إِلَى التَّرَوِّي لِيَنْدَفِعَ الْغَبْنُ، وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، كَالتَّأْجِيل فِي الثَّمَنِ، فَإِنَّ الأَْجَل شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إِلَى التَّأْخِيرِ، مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، ثُمَّ جَازَ
__________
(1) راجع مصطلح " خيار ".
(2) فتح القدير5 / 498، ورد المحتار4 / 47، ومغني المحتاج 2 / 43، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير4 / 65، 66
(3) رواه الشافعي والحاكم عن حبان (بفتح الحاء) . ورواه أيضا البيهقي وابن ماجه والبخاري في تاريخه الأوسط وابن أبي شيبة عن منقذ بن عمرو. وكون الواقعة لحبان أرجح لأن سندها إليه موصول وإلى منقذ منقطع. (فتح القدير5 / 498)
(4) حديث: " المسلمون عند شروطهم. . . " تقدم تخريجه (إجارة ف46)
أَيُّ مِقْدَارٍ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ (1) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ السِّلَعِ، فَإِنَّ الْقَصْدَ مَا تُخْتَبَرُ فِيهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ السِّلَعِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَيَضْرِبُ مِنَ الأَْجَل أَقَل مَا يُمْكِنُ؛ تَقْلِيلاً لِلْغَرَرِ، كَشَهْرٍ فِي دَارٍ، وَكَثَلاَثٍ فِي دَابَّةٍ (2) . وَإِذَا كَانَتِ الْمُدَّةُ الْمُشْتَرَطَةُ مَجْهُولَةً، كَمَا إِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ أَبَدًا، أَوْ مَتَى شَاءَ، أَوْ قَال أَحَدُهُمَا: وَلِيَ الْخِيَارُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّتَهُ، أَوْ شَرَطَاهُ إِلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ، أَوْ نُزُول الْمَطَرِ، أَوْ مُشَاوَرَةِ إِنْسَانٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ يَصِحَّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا أَبَدًا أَوْ يَقْطَعَاهُ، أَوْ تَنْتَهِي مُدَّتُهُ إِنْ كَانَ مَشْرُوطًا إِلَى مُدَّةٍ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ شُبْرُمَةَ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ.
وَقَال مَالِكٌ: يَصِحُّ، وَيُضْرَبُ لَهُمَا مُدَّةٌ يُخْتَبَرُ الْمَبِيعُ فِي مِثْلِهَا فِي الْعَادَةِ، لأَِنَّ ذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي الْعَادَةِ "، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَسْقَطَا الشَّرْطَ قَبْل مُضِيِّ الثَّلاَثِ، أَوْ حَذْفِ الزَّائِدِ عَلَيْهَا وَبَيَّنَا مُدَّتَهُ، صَحَّ؛ لأَِنَّهُمَا حَذَفَا الْمُفْسِدَ قَبْل اتِّصَالِهِ بِالْعَقْدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ (3) .
__________
(1) الشرح الكبير لابن قدامة المقدسي4 / 65 ط المنار.
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير3 / 91، ومواهب الجليل للحطاب4 / 310
(3) الشرح الكبير المطبوع مع المغني4 / 66 ط المنار.

الصفحة 13