كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 2)

اشْتِرَاطُ تَأْجِيل تَسْلِيمِ الْعَيْنِ فِي التَّصَرُّفَاتِ النَّاقِلَةِ لِلْمِلْكِيَّةِ:
33 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ اشْتِرَاطِ تَأْجِيل تَسْلِيمِ (الْعَيْنِ) إِلَى الْمَنْقُول إِلَيْهِ مِلْكِيَّتُهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً لِلاِنْتِفَاعِ بِهَا عَلَى رَأْيَيْنِ: الأَْوَّل: يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (1) وَهُوَ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ تَأْجِيل تَسْلِيمِ الْعَيْنِ إِلَى الْمُدَّةِ الَّتِي يُحَدِّدُهَا الْمُتَعَاقِدَانِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُنْتَفِعُ بِهَا هُوَ النَّاقِل لِلْمِلْكِيَّةِ، وَهَذَا الرَّأْيُ مَنْقُولٌ عَنِ الأَْوْزَاعِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: إِذَا بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا، ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ، أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَةً، أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا شَهْرًا، أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ أُسْبُوعًا.
وَاسْتَدَل لِهَذَا الرَّأْيِ بِأَنَّ عُمُومَ الآْيَاتِ وَالأَْحَادِيثِ تَأْمُرُ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. . .} (2) وَقَال تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} (3) وَقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً، أَوْ أَحَل حَرَامًا (4)
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 65، والمواق على الحطاب 3 / 372، وكشاف القناع 3 / 190 ط الرياض.
(2) أول سورة المائدة.
(3) سورة الإسراء / 34
(4) رواه الترمذي وصححه، وأنكروا عليه لأنه من رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو ضعيف. وهذا الحديث له طرق كثيرة، وقد صححه ابن حبان من حديث أبي هريرة. يراجع سبل السلام 3 / 40 في باب الصلح.
فَالآْيَاتُ وَالأَْحَادِيثُ تَأْمُرُ بِالْوَفَاءِ بِكُل عَقْدٍ وَشَرْطٍ لاَ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ، وَلاَ سُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِخُصُوصِ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ قَدْ أَعْيَا، فَضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ. فَقَال: بِعْنِيهِ. فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُل عَلَى جَوَازِ اشْتِرَاطِ تَأْجِيل تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَتْرَةً يَنْتَفِعُ فِيهَا الْبَائِعُ بِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إِلَى الْمُشْتَرِي. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الثُّنْيَا أَيِ الاِسْتِثْنَاءِ إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ تَأْخِيرُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَصَحَّ (1) .
الثَّانِي: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، عَدَمَ صِحَّةِ اشْتِرَاطِ تَأْجِيل تَسْلِيمِ الْعَيْنِ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ (2) ، وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنَ امْرَأَتِهِ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ. وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنَّكَ إِنْ بِعْتَهَا فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ. فَاسْتَفْتَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَال " لاَ تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لأَِحَدٍ وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اشْتَرَى جَارِيَةً
__________
(1) كشاف القناع 3 / 190 ط الرياض.
(2) حديث " نهى عن بيع وشرط " قال ابن حجر: بيض له الرافعي في التذنيب، واستغربه النووي. وقد رواه ابن حزم في المحلى، والخطابي في المعالم، والطبراني في الأوسط، والحاكم في علوم الحديث في قصة طويلة مشهورة، ونقل عن ابن أبي الفوارس أنه قال: غريب، ورواه أصحاب السنن إلا ابن ماجه، وابن حبان والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: " لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع " (تلخيص الحبير 3 / 12)

الصفحة 20