كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 2)

عَنِّي وَتَعَجَّل، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّخَعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لأَِنَّهُ آخِذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ، تَارِكٌ لِبَعْضِهِ، فَجَازَ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (وَهُوَ قَوْل الْخِرَقِيِّ مِنْ عُلَمَائِهِمْ (1)) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ عَلَى تَعْجِيل بَدَل الْكِتَابَةِ فِي مُقَابِل الْحَطِّ مِنْهُ، وَذَلِكَ لأَِنَّ مَعْنَى الإِْرْفَاقِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، فَلاَ يَكُونُ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ الأَْجَل بِبَعْضِ الْمَال، وَلَكِنْ إِرْفَاقٌ مِنَ الْمَوْلَى بِحَطِّ بَعْضِ الْمَال، وَمُسَاهَلَةٌ مِنَ الْمُكَاتَبِ فِيمَا بَقِيَ قَبْل حُلُول الأَْجَل لِيَتَوَصَّل إِلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ؛ وَلأَِنَّ الْمُعَامَلَةَ هُنَا هِيَ مُعَامَلَةُ الْمُكَاتَبِ مَعَ سَيِّدِهِ، وَهُوَ يَبِيعُ بَعْضَ مَالِهِ بِبَعْضٍ، فَدَخَلَتِ الْمُسَامَحَةُ فِيهِ، بِخِلاَفِ غَيْرِهِ.

اخْتِلاَفُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ
فِي الأَْجَل
87 - اخْتِلاَفُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الأَْجَل إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَصْل الأَْجَل، أَوْ فِي مِقْدَارِهِ، أَوْ فِي حُلُولِهِ، أَوْ فِي مُضِيِّهِ وَفِيمَا يَلِي آرَاءُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ:

الاِخْتِلاَفُ فِي أَصْل الأَْجَل فِي الْبَيْعِ:
88 - إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي أَصْل الأَْجَل، بِأَنْ قَال الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهُ بِدِينَارٍ مُؤَجَّلٍ، وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ - فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا:
__________
(1) رد المحتار 4 / 500، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير 4 / 174، وكشاف القناع3 / 392 ط الرياض.
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْقَوْل لِمَنْ يَنْفِي الأَْجَل، وَهُوَ الْبَائِعُ، مَعَ يَمِينِهِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الأَْصْل الْحُلُول (1) . وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لأَِنَّهُ يُثْبِتُ خِلاَفَ الظَّاهِرِ، وَالْبَيِّنَاتُ لِلإِْثْبَاتِ، وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يُعْمَل بِالْعُرْفِ بِالْيَمِينِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً أَوْ فَاتَتْ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَتُرَدُّ السِّلْعَةُ لِبَائِعِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ إِنِ ادَّعَى أَجَلاً قَرِيبًا لاَ يُتَّهَمُ فِيهِ، وَإِلاَّ فَالْقَوْل لِلْبَائِعِ إِنْ حَلَفَ (2) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ مُدَّعٍ (3) . وَلأَِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْعَقْدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَحَالَفَا، قِيَاسًا عَلَى الاِخْتِلاَفِ فِي الثَّمَنِ (4) .

الاِخْتِلاَفُ فِي مِقْدَارِ الأَْجَل:
89 - إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي مِقْدَارِ الأَْجَل، كَمَا إِذَا قَال الْبَائِعُ: بِعْتُكَهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى شَهْرٍ، وَيَدَّعِي الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْقَوْل قَوْل مُدَّعِي الأَْقَل، لإِِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ، وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي،
__________
(1) رد المحتار على الدر المختار4 / 24، وكشاف القناع3 / 238 ط الرياض، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير4 / 269 ط المنار.
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير3 / 191
(3) مغني المحتاج 2 / 95 ط الحلبي.
(4) المغني المطبوع مع الشرح الكبير4 / 269 ط المنار.

الصفحة 41