كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 3)

شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ (1) أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} : كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَاقِدُ الرَّجُل فَيَقُول: دَمِي دَمُكَ، وَهَدْمِي هَدْمُكَ، وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، وَتُطْلَبُ بِي وَأُطْلَبُ بِكَ. قَال: فَوَرَّثُوا السُّدُسَ فِي الإِْسْلاَمِ مِنْ جَمِيعِ الأَْمْوَال، ثُمَّ يَأْخُذُ أَهْل الْمِيرَاثِ مِيرَاثَهُمْ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} . (2)

الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّرِكَةِ وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهَا:
6 - مِنْ إِطْلاَقَاتِ الإِْرْثِ لُغَةً: التَّرِكَةُ (3) . وَهِيَ فِي الاِصْطِلاَحِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: مَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ مِنْ أَمْوَالٍ وَحُقُوقٍ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: هِيَ مَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ مِنَ الأَْمْوَال صَافِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنٍ مِنَ الأَْمْوَال، فَالأَْصْل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْحُقُوقَ لاَ يُورَثُ مِنْهَا إِلاَّ مَا كَانَ تَابِعًا لِلْمَال أَوْ فِي مَعْنَى الْمَال، كَحَقِّ التَّعَلِّي وَحُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ، أَمَّا حَقُّ الْخِيَارِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا فَلاَ تُورَثُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (4) ، وَيَدْخُل فِي التَّرِكَةِ اتِّفَاقًا الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْقَتْل الْخَطَأِ، أَوْ بِالصُّلْحِ عَنِ الْعَمْدِ، أَوْ بِانْقِلاَبِ الْقِصَاصِ مَالاً بِعَفْوِ بَعْضِ الأَْوْلِيَاءِ فَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُ الْمَيِّتِ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُبْدَأُ مِنَ التَّرِكَةِ بِالدُّيُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَعْيَانِهَا
__________
(1) سورة النساء / 33، وقرأ السبعة ما عدا عاصما وحمزة والكسائي (عاقدت) وقرأ الثلاثة المذكورون (عقدت) الجصاص 2 / 90 - 91 ط البهية.
(2) سورة الأحزاب / 6 والمصدر السابق.
(3) القاموس
(4) نهاية المحتاج 6 / 3، العذب الفائض 1 / 13، الشرح الكبير 4 / 457
قَبْل الْوَفَاةِ كَالأَْعْيَانِ الْمَرْهُونَةِ، لأَِنَّ الْمُوَرِّثَ فِي حَال حَيَاتِهِ لاَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الأَْعْيَانِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ، فَأَوْلَى أَلاَّ يَكُونَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
فَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا مَرْهُونَةً فِي دَيْنٍ فَإِنَّ الْمُوَرِّثَ (الْمَيِّتَ) لاَ يُجَهَّزُ إِلاَّ بَعْدَ سَدَادِ الدَّيْنِ، أَوْ فِيمَا يَفْضُل بَعْدَ سَدَادِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُل شَيْءٌ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ سَدَادِ الدَّيْنِ يَكُونُ تَجْهِيزُهُ عَلَى مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فِي حَيَاتِهِ (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الإِْنْسَانُ بُدِئَ بِتَكْفِينِهِ وَتَجْهِيزِهِ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا تُقَدَّمُ نَفَقَةُ الْمُفْلِسِ عَلَى دُيُونِ غُرَمَائِهِ، ثُمَّ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ (2) .
7 - لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي الدُّيُونِ الَّتِي تُقْضَى بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الدَّيْنَ إِنْ كَانَ لِلْعِبَادِ فَالْبَاقِي بَعْدَ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ إِنْ وَفَى بِهِ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَفِ فَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا يُعْطِي لَهُ الْبَاقِيَ. وَمَا بَقِيَ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ إِنْ شَاءَ عَفَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ.
وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُتَعَدِّدًا، فَإِنْ كَانَ الْكُل دَيْنَ الصِّحَّةِ - وَهُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الإِْقْرَارِ فِي زَمَانِ صِحَّةِ الْمَدِينِ - أَوْ كَانَ الْكُل دَيْنَ الْمَرَضِ - وَهُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِإِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ - فَإِنَّهُ يُصْرَفُ الْبَاقِي إِلَيْهِمْ عَلَى حَسَبِ مَقَادِيرِ دُيُونِهِمْ.
وَإِنِ اجْتَمَعَ الدَّيْنَانِ مَعًا يُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى، لأَِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَنِ التَّبَرُّعِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 463، 483، وشرح السراجية ص 4، والشرح الكبير 4 / 457، ونهاية المحتاج 6 / 7
(2) العذب الفائض 1 / 13 ط مصطفى الحلبي

الصفحة 19