كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 3)

الرِّقُّ:
16 - اتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ الْكَامِل يَمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ. وَذَلِكَ لأَِنَّ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَال فَهُوَ لِمَوْلاَهُ. فَلَوْ وَرَّثْنَاهُ مِنْ أَقْرِبَائِهِ لَوَقَعَ الْمِلْكُ لِسَيِّدِهِ، فَيَكُونُ تَوْرِيثًا لِلأَْجْنَبِيِّ بِلاَ سَبَبٍ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ إِجْمَاعًا (1) .

الْقَتْل:
17 - اتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الْقَتْل الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ يَمْنَعُ الْقَاتِل الْبَالِغَ الْعَاقِل مِنَ الْمِيرَاثِ إِذَا كَانَ الْقَتْل مُبَاشِرًا (2) . وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْقَتْل الَّذِي يُوجِبُ الْقِصَاصَ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَاتِل صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ غَيْرَ مُبَاشِرٍ لِلْقَتْل أَوْ كَانَ الْقَتْل خَطَأً. فَذَهَبَ الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْقَتْل الْعُدْوَانَ الْعَمْدَ الْمُوجِبَ لِلْقِصَاصِ: هُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْجَانِي مَنْ يَعْلَمُهُ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فَيَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ.
وَذَهَبَ الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْقَتْل الْعَمْدَ الَّذِي يُوجِبُ الْقِصَاصَ: مَا يَكُونُ بِضَرْبَةِ سِلاَحٍ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي تَفْرِيقِ الأَْجْزَاءِ كَالْمُحَدَّدِ مِنَ الْخَشَبِ أَوِ الْحَجَرِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْقَتْل شِبْهَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ يَمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَالْقَتْل شِبْهُ الْعَمْدِ: كَأَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَاتِل ضَرْبَ الْمَقْتُول بِمَا لاَ يُقْتَل بِهِ غَالِبًا، وَمُوجِبُهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْحَنَفِيَّةِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالإِْثْمُ وَالْكَفَّارَةُ.
وَالْخَطَأُ كَأَنْ رَمَى إِلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَ إِنْسَانًا، أَوِ
__________
(1) السراجية ص 18 ط الحلبي، والشرح الكبير 4 / 485 ط الحلبي، والتحفة ص 57 ط الحلبي، والعذب الفائض 1 / 23
(2) السراجية ص 19، والعذب الفائض 1 / 28
انْقَلَبَ عَلَيْهِ فِي النَّوْمِ فَقَتَلَهُ، أَوْ وَطِئَتْهُ دَابَّةٌ، وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ عَلَيْهِ، أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ حَجَرٌ مِنْ يَدِهِ فَمَاتَ. وَمُوجِبُهُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلاَ إِثْمَ فِيهِ. وَفِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا يُحْرَمُ الْقَاتِل مِنَ الْمِيرَاثِ عِنْدَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ الْقَتْل بِحَقٍّ (1) .
وَإِذَا كَانَ الْقَتْل بِالسَّبَبِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ أَوْ وَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، أَوْ كَانَ الْقَاتِل صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلاَ حِرْمَانَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْقَتْل فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الأَْرْجَحِ إِلَى أَنَّ الْقَاتِل عَمْدًا مُبَاشِرًا أَوْ مُتَسَبِّبًا يُمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ مِنَ الْمَال وَالدِّيَةِ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، وَإِنْ أَتَى بِشُبْهَةٍ تَدْفَعُ الْقِصَاصَ كَرَمْيِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ بِحَجَرٍ فَمَاتَ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رَأْيٌ آخَرُ هُوَ أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَالْخَطَأِ، فَيَرِثُ مِنَ الْمَال دُونَ الدِّيَةِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُمْ (3) . وَأَمَّا إِذَا قَتَل مُورَثُهُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ فَلاَ يُحْرَمُ مِنَ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (4) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ كُل مَنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْقَتْل يُمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْل بِحَقٍّ كَمُقْتَصٍّ، وَإِمَامٍ، وَقَاضٍ، وَجَلاَّدٍ بِأَمْرِ الإِْمَامِ وَالْقَاضِي وَشَاهِدٍ وَمُزَكٍّ. وَيُحْرَمُ الْقَاتِل وَلَوْ قَتَل بِغَيْرِ قَصْدٍ كَنَائِمٍ وَمَجْنُونٍ وَطِفْلٍ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ مَصْلَحَةً كَضَرْبِ الأَْبِ ابْنَهُ لِلتَّأْدِيبِ، وَفَتْحِهِ الْجَرْحَ
__________
(1) السراجية ص 18، والشرح الكبير 4 / 486، والعذب الفائض 1 / 29
(2) السراجية ص 18
(3) حاشية الدسوقي 4 / 486
(4) المراجع السابقة

الصفحة 23