كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 3)

كَمَا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ يَرِثُ عَتِيقَهُ الْمُسْلِمَ (1) .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَرِثُ الْكَافِرَ.
وَذَهَبَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمَسْرُوقٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْكَافِرَ.
اسْتَدَل الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَتَوَارَثُ أَهْل مِلَلٍ شَتَّى (2) وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ. (3)
وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِتَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الإِْسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى (4) وَمِنَ الْعُلُوِّ أَنْ يَرِثَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ.
وَفَسَّرَ الْمَانِعُونَ الْحَدِيثَ بِأَنَّ نَفْسَ الإِْسْلاَمِ هُوَ الَّذِي يَعْلُو، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ الإِْسْلاَمُ عَلَى وَجْهٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ وَيَعْلُو. أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ الْعُلُوُّ بِحَسَبِ الْحُجَّةِ أَوْ بِحَسَبِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ. أَيِ النُّصْرَةِ فِي الْعَاقِبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ (5) .

إِرْثُ الْمُرْتَدِّ:
19 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ - وَهُوَ مَنْ تَرَكَ الإِْسْلاَمَ بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ - لاَ يَرِثُ
__________
(1) العذب الفائض 1 / 31
(2) حديث (لا يتوارث أهل ملتين شتى) أخرجه أبو داود 3 / 85 - عون المعبود - طبع المطبعة الأنصارية بدهلي) وابن ماجه (رقم 2731 ط عيسى الحلبي) وأحمد (2 / 178، 195 - ط الميمنية) من حديث عبد الله بن عمرو
(3) رواه أحمد والبخاري ومسلم
(4) حديث (الإسلام يعلو ولا يعلى) . أخرجه الدارقطني (3 / 252 - ط دار المحاسن بمصر) والبيهقي (6 / 205 - ط دائرة المعارف العثمانية) وحسنه الحافظ ابن حجر وفتح الباري (3 / 220 - ط السلفية)
(5) السراجية ص 74، 75
أَحَدًا مِمَّنْ يَجْمَعُهُ وَإِيَّاهُمْ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ، لاَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ مِنْ أَهْل الدِّينِ الَّذِي انْتَقَل إِلَيْهِ، أَوْ أَيِّ دِينٍ آخَرَ خِلاَفُهُ، لأَِنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى الدِّينِ الَّذِي انْتَقَل إِلَيْهِ، وَلأَِنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ. وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدَّةُ لاَ تَرِثُ أَحَدًا، لأَِنَّ حُكْمَ الإِْسْلاَمِ فِي الْمُرْتَدِّ إِنْ كَانَ رَجُلاً هُوَ أَنْ يَتُوبَ وَيَرْجِعَ إِلَى الإِْسْلاَمِ أَوْ يُقْتَل إِنْ أَصَرَّ عَلَى رِدَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَإِنَّهَا تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ يُدْرِكَهَا الْمَوْتُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ مَعْنَى مُطْلَقًا لأََنْ يُقَال بِأَنَّهُ يَرِثُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ.
أَمَّا كَوْنُهُ يُورَثُ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - قَال الْقَاضِي: هِيَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ - أَنَّ الْمُرْتَدَّ لاَ يَرِثُهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرُهُمْ مِمَّنِ انْتَقَل إِلَى دِينِهِمْ بَل مَالُهُ كُلُّهُ - إِنْ مَاتَ أَوْ قُتِل عَلَى رِدَّتِهِ - يَكُونُ فَيْئًا وَحَقًّا لِبَيْتِ الْمَال.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْل أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالشَّعْبِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالأَْوْزَاعِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَاسْتَدَل لِهَذَا الْقَوْل بِفِعْل الْخَلِيفَتَيْنِ الرَّاشِدَيْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَلأَِنَّ رِدَّتَهُ يَنْتَقِل بِهَا مَالُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِل إِلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا لَوِ انْتَقَل بِالْمَوْتِ (1) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ، فَالْمُرْتَدَّةُ يَرِثُهَا أَقَارِبُهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَرِثُونَ
__________
(1) الشرح الكبير 4 / 486، والتحفة ص 61، والعذب الفائض ص 34، والمغني 6 / 300 و 8 / 128

الصفحة 25