كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 3)

ز - التَّوَلُّدُ مِنَ الرَّقِيقَةِ:
14 - مِنَ الْمُقَرَّرِ فِي الْفِقْهِ الإِْسْلاَمِيِّ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ، فَإِذَا كَانَتِ الأُْمُّ حُرَّةً كَانَ وَلَدُهَا حُرًّا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً كَانَ وَلَدُهَا رَقِيقًا، وَهَذَا مِمَّا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (1) . وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ التَّوَلُّدُ مِنْ سَيِّدِ الأَْمَةِ، إِذْ يُولَدُ حُرًّا وَيَنْعَقِدُ لأُِمِّهِ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ، فَتُصْبِحُ حُرَّةً بِمَوْتِ سَيِّدِهَا.

انْتِهَاءُ الاِسْتِرْقَاقِ:
15 - يَنْتَهِي الاِسْتِرْقَاقُ بِالْعِتْقِ. وَالْعِتْقُ قَدْ يَكُونُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، كَمَنْ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَكَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ. وَقَدْ يَكُونُ الْعِتْقُ بِالإِْعْتَاقِ لِمُجَرَّدِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْعِتْقِ، كَأَنْ يُعْتِقَهُ فِي كَفَّارَةٍ (ر: كَفَّارَة) ، أَوْ نَذْرٍ (ر: نَذْر) . كَمَا تَنْتَهِي بِالتَّدْبِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهُ حُرًّا دُبُرَ وَفَاتِهِ أَيْ بَعْدَهَا (ر: تَدْبِير) ، أَوْ بِالْمُكَاتَبَةِ، أَوْ إِجْبَارِ وَلِيِّ الأَْمْرِ سَيِّدًا عَلَى إِعْتَاقِ عَبْدِهِ لإِِضْرَارِهِ بِهِ (ر: عِتْق) .

آثَارُ الاِسْتِرْقَاقِ:
16 - أ - يَتَرَتَّبُ عَلَى الاِسْتِرْقَاقِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَسْنُونَةِ إِذَا كَانَتْ مُخِلَّةً بِحَقِّ السَّيِّدِ، كَصَلاَةِ الْجَمَاعَةِ مَثَلاً (ر: صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ) ، أَوِ الْوَاجِبَاتِ الْكِفَائِيَّةِ؛ لإِِخْلاَلِهَا بِحَقِّ السَّيِّدِ أَيْضًا، أَوْ لأَِمْرٍ آخَرَ كَالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ يُرَخِّصُ
__________
(1) مصنف عبد الرزاق 7 / 299، 8 / 385، وآثار أبي يوسف ص 192، وآثار الإمام محمد ص 115، وأسنى المطالب 4 / 469
لِلْعَبْدِ فِي تَرْكِهَا. وَمِنْهَا جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ، فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنِ الْمَرْءِ بِاسْتِرْقَاقِهِ، لأَِنَّ الْعَبْدَ لاَ يَمْلِكُ الْمَال، كَالزَّكَاةِ، وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَالصَّدَقَاتِ وَالْحَجِّ.
17 - ب - الْوَاجِبَاتُ الْمَالِيَّةُ عَلَى مَنِ اسْتُرِقَّ إِنْ كَانَ لَهَا بَدَلٌ بَدَنِيٌّ، فَإِنَّهُ يُصَارُ إِلَى بَدَلِهَا، كَالْكَفَّارَاتِ، فَالرَّقِيقُ لاَ يُكَفِّرُ فِي الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ وَلاَ بِالإِْطْعَامِ وَلاَ بِالْكِسْوَةِ، وَلَكِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصِّيَامِ.
أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ بَدَلٌ بَدَنِيٌّ، فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمُسْتَرَقِّ، فَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى يَدِ إِنْسَانٍ فَقَطَعَهَا خَطَأً، وَكَانَتْ دِيَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ، لَمْ يُكَلَّفِ الْمَالِكُ بِأَكْثَرَ مِنْ دَفْعِ الْعَبْدِ إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، كَمَا يُذْكَرُ فِي أَبْوَابِ الْجِنَايَاتِ. وَكَذَا إِذَا اسْتَدَانَ مِنْ شَخْصٍ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِنَّ هَذَا الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ، وَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ، وَلاَ يُكَلَّفُ سَيِّدُهُ بِوَفَائِهِ. فَإِنِ اسْتُرِقَّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَمْ يَسْقُطِ الدَّيْنُ عَنْهُ؛ لأَِنَّ شَغْل ذِمَّتِهِ قَدْ حَصَل، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ لِحَرْبِيٍّ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ؛ لِعَدَمِ احْتِرَامِ الْحَرْبِيِّ (1) .
18 - ج - وَالاِسْتِرْقَاقُ يَمْنَعُ الْمُسْتَرَقَّ مِنْ سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
19 - د - كَمَا يَمْنَعُ الاِسْتِرْقَاقُ مِنْ سَائِرِ الاِسْتِحْقَاقَاتِ الْمَالِيَّةِ، فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهَا اسْتَحَقَّهُ الْمَالِكُ لاَ الرَّقِيقُ، فَالرَّقِيقُ لاَ يَرِثُ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ.
وَإِنْ اسْتُرِقَّ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، فَإِنَّ سَيِّدَهُ هُوَ الَّذِي يُطَالَبُ بِهَذَا الدَّيْنِ، أَمَّا إِنْ كَانَ
__________
(1) أسنى المطالب 4 / 195

الصفحة 301