كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 3)

الشَّمْسِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ (1) . وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَلَمْ يُذْكَرْ عِنْدَهُمْ وَقْتٌ لَهَا، وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي تَحْدِيدِهِ.
وَقَدْ يَكُونُ هَذَا؛ لأَِنَّ السُّنَّةَ عِنْدَ الإِْمَامِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ الدُّعَاءُ، وَالدُّعَاءُ فِي كُل وَقْتٍ، وَلَيْسَ لَهُ زَمَانٌ مُعَيَّنٌ.

مَكَانُ الاِسْتِسْقَاءِ:
8 - اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الاِسْتِسْقَاءَ يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ، وَخَارِجَ الْمَسْجِدِ. إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لاَ تَقُول بِالْخُرُوجِ إِلاَّ فِي وَقْتِ الشِّدَّةِ إِلَى الْغَيْثِ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يُفَضِّلُونَ الْخُرُوجَ مُطْلَقًا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلاِسْتِسْقَاءِ مُتَبَذِّلاً مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَل فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ (2) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُصَلِّي الإِْمَامُ فِي الصَّحْرَاءِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَّهَا فِي الصَّحْرَاءِ؛ وَلأَِنَّهُ يَحْضُرُهَا غَالِبُ النَّاسِ وَالصِّبْيَانُ وَالْحُيَّضُ وَالْبَهَائِمُ وَغَيْرُهُمْ، فَالصَّحْرَاءُ أَوْسَعُ لَهُمْ وَأَرْفَقُ (3) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ بِالْخُرُوجِ أَيْضًا، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ أَهْل مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدَيْنِ، وَقَال بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي كَذَلِكَ لأَِهْل الْمَدِينَةِ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ؛ لأَِنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ بِقَاعِ الأَْرْضِ، إِذْ حَل فِيهِ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَّل ابْنُ عَابِدِينَ جَوَازَ الاِجْتِمَاعِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) المرجع السابق، والمجموع 5 / 76، 77
(2) المغني 2 / 283، ومواهب الجليل 2 / 205، والرهوني 2 / 190
(3) المجموع للنووي 5 / 72
بِقَوْلِهِ: يَنْبَغِي الاِجْتِمَاعُ لِلاِسْتِسْقَاءِ فِيهِ، إِذْ لاَ يُسْتَغَاثُ وَتُسْتَنْزَل الرَّحْمَةُ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُل حَادِثَةٍ (1) .

الآْدَابُ السَّابِقَةُ عَلَى الاِسْتِسْقَاءِ:
9 - أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ آدَابًا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا قَبْل الاِسْتِسْقَاءِ، فَقَالُوا: يَعِظُ الإِْمَامُ النَّاسَ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَالتَّوْبَةِ مِنَ الْمَعَاصِي، وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ؛ لِيَكُونُوا أَقْرَبَ إِلَى الإِْجَابَةِ، فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ سَبَبُ الْجَدْبِ، وَالطَّاعَةَ سَبَبُ الْبَرَكَةِ. . قَال تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (2)
وَرَوَى أَبُو وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَال: " إِذَا بُخِسَ الْمِكْيَال حُبِسَ الْقَطْرُ " وَقَال مُجَاهِدٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} (3) قَال: دَوَابُّ الأَْرْضِ تَلْعَنُهُمْ يَقُولُونَ: يُمْنَعُ الْقَطْرُ بِخَطَايَاهُمْ. كَمَا يُتْرَكُ التَّشَاحُنُ وَالتَّبَاغُضُ؛ لأَِنَّهَا تُحْمَل عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْبُهُتِ، وَتَمْنَعُ نُزُول الْخَيْرِ. بِدَلِيل قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَرَجْتُ لأُِخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ فَرُفِعَتْ (4) .
__________
(1) ابن عابدين 1 / 792 ط الثالثة، وحاشية الشرنبلالي على الدرر شرح الغرر 1 / 148، والطحطاوي على مراقي الفلاح ص 301
(2) المجموع للنووي 5 / 65، والمغني 2 / 84، وكشاف القناع 2 / 58، ومراقي الفلاح والحاشية 1 / 301، والطحطاوي ص 360، والآية من سورة الأعراف / 96
(3) سورة البقرة / 159
(4) كشاف القناع 2 / 59. وحديث: " خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 267 - ط السلفية) .

الصفحة 309