كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
فِي الْحَال، فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ.
ب - وَالاِنْقِلاَبَ: هُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي وَقْتٍ لاَحِقٍ مُتَأَخِّرٍ عَنِ الْقَوْل، كَمَا لَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، لاَ يَثْبُتُ بِهِ الطَّلاَقُ فِي الْحَال، لَكِنْ إِنْ دَخَلَتْهَا طُلِّقَتْ بِدُخُولِهَا. وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ انْقِلاَبًا: أَنَّ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ - وَهُوَ الصِّيغَةُ الْمُعَلَّقَةُ - انْقَلَبَ عِلَّةً بِوُجُودِ الدُّخُول، إِذْ إِنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلطَّلاَقِ قَبْل دُخُولِهَا الْبَيْتَ، وَمَتَى دَخَلَتِ انْقَلَبَ فَأَصْبَحَ عِلَّةً، لأَِنَّ ذَلِكَ الْقَائِل جَعَل لِلْعِلِّيَّةِ شَرْطًا وَقَدْ تَحَقَّقَ.
ج - وَالتَّبَيُّنَ أَوِ الظُّهُورَ: (1) وَهُوَ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَال أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ قَبْل، كَمَا لَوْ قَال يَوْمَ الْجُمُعَةِ: إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ يَوْمَ السَّبْتِ أَنَّ زَيْدًا كَانَ فِي الدَّارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ ذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ وَقَعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلاَّ فِي يَوْمِ السَّبْتِ. وَالْعِدَّةُ تَبْتَدِئُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
التَّفْرِيقُ بَيْنَ الاِسْتِنَادِ وَالتَّبَيُّنِ:
12 - فِي حَالَةِ الاِسْتِنَادِ لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الأَْمْرِ فِي الْمَاضِي، ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَ فِي الْحَاضِرِ رَجَعَ ثُبُوتُهُ الْقَهْقَرِيُّ فَانْسَحَبَ عَلَى الْمُدَّةِ السَّابِقَةِ، أَمَّا فِي التَّبَيُّنِ فَقَدْ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الأَْمْرِ وَلَكِنْ تَأَخَّرَ الْعِلْمُ بِهِ، وَمِنْ هُنَا ظَهَرَ بَيْنَ الأَْمْرَيْنِ الْفُرُوقُ التَّالِيَةُ:
الأَْوَّل: أَنَّ حَالَةَ التَّبَيُّنِ يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ الْعِبَادُ فِيهَا عَلَى الْحُكْمِ. وَفِي الاِسْتِنَادِ لاَ يُمْكِنُ. فَفِي
__________
(1) كذا ورد في بعض المواضع " التبيّن " وهو أولى. والغالب في كلامهم (التبيين) .
الْمِثَال السَّابِقِ لِلتَّبَيُّنِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ عَلِمَ كَوْنَهُ فِي الدَّارِ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِهِ فِي الدَّارِ مِمَّا يَدْخُل فِي طَوْقِ الْعِبَادِ، بِخِلاَفِ الْعِلْمِ بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ لِبَيْعِ الصَّبِيِّ، فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِإِجَازَتِهِ قَبْل أَنْ يُجِيزَ.
الثَّانِي: أَنَّ حَالَةَ التَّبَيُّنِ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا قِيَامُ الْمَحَل عِنْدَ حُصُول تَبَيُّنِ الْحُكْمِ، وَلاَ اسْتِمْرَارُ وُجُودِهِ إلَى حِينِ التَّبَيُّنِ. فَلَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ، فَحَاضَتْ ثَلاَثَ حِيَضٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ زَيْدًا كَانَ فِي الدَّارِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لاَ تَقَعُ الثَّلاَثُ، لأَِنَّهُ تَبَيَّنَ وُقُوعُ الأَْوَّل، وَأَنَّ إِيقَاعَ الثَّلاَثِ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
أَمَّا فِي حَالَةِ الاِسْتِنَادِ فَلاَ بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْمَحَل حَال ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَعَدَمِ انْقِطَاعِ وُجُودِهِ مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ، عَوْدًا إلَى الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ، كَمَا فِي الزَّكَاةِ تَجِبُ بِتَمَامِ الْحَوْل، وَيَسْتَنِدُ وُجُوبُهَا إلَى وَقْتِ وُجُودِ النِّصَابِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَ تَمَّامِ الْحَوْل مَفْقُودًا، أَوِ انْقَطَعَ أَثْنَاءَهُ لَمْ يَثْبُتِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ الْحَوْل. (1)
الاِسْتِنَادُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ:
13 - إِذَا اسْتَنَدَ الْمِلْكُ فَإِنَّهُ فِي الْفَتْرَةِ مَا بَيْنَ التَّصَرُّفِ إلَى حُصُول الإِْجَازَةِ وَمَا يَقُومُ مَعَهَا - كَضَمَانِ الْمَضْمُونَاتِ - مِلْكٌ نَاقِصٌ، وَلَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمِلْكِ التَّامِّ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْعَانِ:
الْفَرْعُ الأَْوَّل: لَوْ غَصَبَ عَيْنًا فَزَادَتْ عِنْدَهُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ، أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ، فَإِذَا ضَمِنَ
__________
(1) حاشية الأشباه والنظائر للحموي ص 157، 158.
الصفحة 108