كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

وَقَدْ حَمَل الْمَالِكِيَّةُ مَا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ مِنْ إِنْكَارِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ بِأَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ أَوْجَبَ اسْتِعْمَال الْمَاءِ.
وَحَمَل صَاحِبُ كِفَايَةِ الطَّالِبِ مَا وَرَدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ قَوْلِهِ: وَهَل يَفْعَل ذَلِكَ إِلاَّ النِّسَاءُ؟ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَاجِبِهِنَّ. (1)

الاِسْتِنْجَاءُ بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنَ الْمَائِعَاتِ:
20 - لاَ يُجْزِئُ الاِسْتِنْجَاءُ بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنَ الْمَائِعَاتِ عَلَى قَوْل الْجُمْهُورِ: الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ تُعَدُّ ضَعِيفَةً فِي الْمَذْهَبِ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: بَل يَحْرُمُ الاِسْتِنْجَاءُ بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ لِنَشْرِهِ النَّجَاسَةَ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ الاِسْتِنْجَاءُ - كَمَا فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ - بِكُل مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ، كَالْخَل وَمَاءِ الْوَرْدِ، دُونَ مَا لاَ يُزِيل كَالزَّيْتِ، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ تَحَقَّقَ، وَهُوَ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ.
ثُمَّ قَدْ قَال ابْنُ عَابِدِينَ: يُكْرَهُ الاِسْتِنْجَاءُ بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَال بِلاَ ضَرُورَةٍ. (2)

أَفْضَلِيَّةُ الْغَسْل بِالْمَاءِ عَلَى الاِسْتِجْمَارِ:
21 - إِنَّ غَسْل الْمَحَل بِالْمَاءِ أَفْضَل مِنْ الاِسْتِجْمَارِ، لأَِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الإِْنْقَاءِ، وَلإِِزَالَتِهِ عَيْنَ النَّجَاسَةِ وَأَثَرَهَا.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: الأَْحْجَارُ أَفْضَل، ذَكَرَهَا
__________
(1) المغني 1 / 112، والذخيرة 1 / 201، وكفاية الطالب 1 / 142، والمجموع 2 / 101.
(2) البحر الرائق 1 / 254، وحاشية الدسوقي 1 / 113، والمجموع 1 / 115.
صَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنِ اسْتَجْمَرَ ثُمَّ غَسَل كَانَ أَفْضَل مِنَ الْكُل بِالاِتِّفَاقِ.
وَبَيَّنَ النَّوَوِيُّ وَجْهَ الأَْفْضَلِيَّةِ بِقَوْلِهِ: تَقْدِيمُ الأَْحْجَارِ لِتَقِل مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ وَاسْتِعْمَال الْمَاءِ، فَلَوِ اسْتَعْمَل الْمَاءَ أَوَّلاً لَمْ يَسْتَعْمِل الْحِجَارَةَ بَعْدَهُ، لأَِنَّهُ لاَ فَائِدَةَ فِيهِ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ التَّرْتِيبُ بِتَقْدِيمِ الاِسْتِجْمَارِ عَلَى الْغَسْل مُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَاءَ وَأَتْبَعَهُ الْحِجَارَةَ كُرِهَ، لِقَوْل عَائِشَةَ: مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يُتْبِعُوا الْحِجَارَةَ الْمَاءَ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ، وَإِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ. (1) وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قِيل: الْغَسْل بِالْمَاءِ سُنَّةٌ، وَقِيل: الْجَمْعُ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا. وَقِيل: سُنَّةٌ عَلَى الإِْطْلاَقِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
هَذَا وَقَدِ احْتَجَّ الْخَرَشِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ بِأَنَّ أَهْل قُبَاءَ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَهُمَا، فَمَدَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (2) وَحَقَّقَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ فِيهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُمْ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ. (3)

مَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ:
22 - الاِسْتِجْمَارُ يَكُونُ بِكُل جَامِدٍ إلاَّ مَا مُنِعَ مِنْهُ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَهَذَا قَوْل جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهُمْ
__________
(1) حديث " مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء. . . " سبق تخريجه ف / 19.
(2) سورة البقرة / 222.
(3) البحر الرائق 1 / 254، والمجموع 2 / 100، وحاشية الدسوقي 1 / 110، 111، والخرشي 1 / 148، وكشاف القناع 55، والفروع 1 / 51.

الصفحة 119