كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

الإِْمَامُ قَتْل الأُْسَارَى فَيَنْبَغِي لَهُ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ بِالْعَطَشِ وَالْجُوعِ، وَلَكِنَّهُ يَقْتُلُهُمْ قَتْلاً كَرِيمًا. (1)
وَيَجُوزُ حَبْسُ الأَْسْرَى فِي أَيِّ مَكَانٍ، لِيُؤْمَنَ مَنْعُهُمْ مِنَ الْفِرَارِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الرَّسُول حَبَسَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ (2)

التَّصَرُّفُ فِي الأَْسْرَى قَبْل نَقْلِهِمْ لِدَارِ الإِْسْلاَمِ:
14 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِي الْغَنَائِمِ - وَمِنْهَا الأَْسْرَى فِي دَارِ الْحَرْبِ - وَقَبْل نَقْلِهِمْ لِدَارِ الإِْسْلاَمِ. قَال مَالِكٌ: الشَّأْنُ أَنْ تُقْسَمَ الْغَنَائِمُ وَتُبَاعَ بِبَلَدِ الْحَرْبِ، وَرَوَى الأَْوْزَاعِيُّ أَنَّ رَسُول اللَّهِ وَالْخُلَفَاءَ لَمْ يَقْسِمُوا غَنِيمَةً قَطُّ إِلاَّ فِي دَارِ الشِّرْكِ، قَال أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ، وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا وَأَحْبَبْنَا الْعَزْل، فَأَرَدْنَا الْعَزْل وَقُلْنَا: نَعْزِل وَرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْل أَنْ نَسْأَلَهُ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَال: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ وَهِيَ كَائِنَةٌ (3) فَإِنَّ سُؤَالَهُمُ
__________
(1) المرجع السابق. وانظر التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 3 / 353.
(2) فتح الباري 1 / 555 ط السلفية، وصحيح مسلم بشرح النووي 12 / 87.
(3) حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المصطلق. . . " أخرجه البخاري واللفظ له ومسلم (فتح الباري 7 / 428، 429 ط السلفية، وصحيح مسلم بشرح النووي 10 / 9، 10 ط المطبعة المصرية بالأزهر) .
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْل فِي وَطْءِ السَّبَايَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ قَدْ تَمَّتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْجِيل مَسَرَّةِ الْغَانِمِينَ وَغَيْظِ الْكَافِرِينَ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ لِبَلَدِ الإِْسْلاَمِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْغَانِمُونَ جَيْشًا وَأَمِنُوا مِنْ كَرِّ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ. (1)
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْغَانِمَيْنِ التَّمَلُّكَ قَبْل الْقِسْمَةِ لَفْظًا، بِأَنْ يَقُول كُلٌّ بَعْدَ الْحِيَازَةِ، وَقَبْل الْقِسْمَةِ: اخْتَرْتُ مِلْكَ نَصِيبِي، فَتَمَلَّكَ بِذَلِكَ.
وَقِيل: يَمْلِكُونَ بِمُجَرَّدِ الْحِيَازَةِ، لِزَوَال مِلْكِ الْكُفَّارِ بِالاِسْتِيلاَءِ. وَقِيل: الْمِلْكُ مَوْقُوفٌ. وَالْمُرَادُ عِنْدَ مَنْ قَال يَمْلِكُونَ بِمُجَرَّدِ الْحِيَازَةِ: الاِخْتِصَاصُ، أَيْ يَخْتَصِمُونَ. (2)
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِجَوَازِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهُوَ قَوْل الأَْوْزَاعِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبِي ثَوْرٍ لِفِعْل الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلأَِنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ فِيهَا بِالْقَهْرِ وَالاِسْتِيلاَءِ. (3)
15 - وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ تُقْسَمُ الْغَنَائِمُ إِلاَّ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، لأَِنَّ الْمِلْكَ لاَ يَتِمُّ عَلَيْهَا إِلاَّ بِالاِسْتِيلاَءِ التَّامِّ، وَلاَ يَحْصُل إِلاَّ بِإِحْرَازِهَا فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، لأَِنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْحَقِّ الْقَهْرُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، لأَِنَّهُمْ قَاهِرُونَ يَدًا مَقْهُورُونَ دَارًا، فَلاَ يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يَقْسِمَ الْغَنَائِمَ - وَمِنْهَا الأَْسْرَى - أَوْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُخْرِجَهَا إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ، خَشْيَةَ تَقْلِيل الرَّغْبَةِ فِي لُحُوقِ الْمَدَدِ بِالْجَيْشِ، وَتَعَرُّضِ الْمُسْلِمِينَ لِوُقُوعِ
__________
(1) التاج والإكليل 3 / 375، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 194 ط دار الفكر.
(2) نهاية المحتاج 8 / 73 ط مصطفى الحلبي 1357 هـ.
(3) المغني 10 / 466.

الصفحة 199