تَأْمِينُ الأَْسِيرِ:
16 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحِقُّ لِلإِْمَامِ إِعْطَاءُ الأَْمَانِ لِلأَْسِيرِ بَعْدَ الاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ، لأَِنَّ عُمَرَ لَمَّا قُدِمَ عَلَيْهِ بِالْهُرْمُزَانِ أَسِيرًا قَال. لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ، ثُمَّ أَرَادَ قَتْلَهُ، فَقَال لَهُ أَنَسٌ: قَدْ أَمَّنْتُهُ فَلاَ سَبِيل لَكَ عَلَيْهِ، وَشَهِدَ الزُّبَيْرُ بِذَلِكَ فَعَدُّوهُ أَمَانًا (3) ، وَلأَِنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ، وَالأَْمَانُ دُونَ الْمَنِّ، وَلاَ يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَى حُكْمِ التَّمَنِّي وَالتَّشَهِّي دُونَ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَا عَقَدَهُ أَمِيرُ الْجَيْشِ مِنَ الأَْمَانِ
__________
(1) شرح السير الكبير 3 / 1005، 1011، والمغني 10 / 466، واللجنة ترى أن هذا مفوض إلى رأي القائد يجري فيه على حسب ما يرى فيه المصلحة.
(2) حديث تأخير قسمة الغنائم يفهم مما أخرجه البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة - بين مكة والمدينة - ومعه بلال، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: أبش (فتح الباري 8 / 46 ط السلفية، وكتاب الخراج لأبي يوسف ص 196) .
(3) الأثر عن عمر رضي الله عنه أخرجه البيهقي مطولا، وأورده ابن حجر في التلخيص وسكت عنه (السنن الكبرى للبيهقي 9 / 96 ط دائرة المعارف العثمانية بالهند، والتلخيص الحبير 4 / 120) .
جَازَ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَأَمَّا آحَادُ الرَّعِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، لأَِنَّ أَمْرَ الأَْسِيرِ مُفَوَّضٌ إِلَى الإِْمَامِ، فَلَمْ يَجُزْ الاِفْتِيَاتُ عَلَيْهِ فِيمَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَقَتْلِهِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَمَانُ آحَادِ الرَّعِيَّةِ، لأَِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَارَتْ زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ بَعْدَ أَسْرِهِ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانَهَا (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَمَان) .
حُكْمُ الإِْمَامِ فِي الأَْسْرَى (2) :
17 - يَرْجِعُ الأَْمْرُ فِي أَسْرَى الْحَرْبِيِّينَ إِلَى الإِْمَامِ، أَوْ مَنْ يُنِيبُهُ عَنْهُ.
وَجَعَل جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مَصَائِرَ الأَْسْرَى بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَبْل إِجْرَاءِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فِي أَحَدِ أُمُورٍ: فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى تَخْيِيرِ الإِْمَامِ فِي
__________
(1) حديث " أن زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم أجارت زوجها ". أخرجه ابن إسحاق مطولا بلا إسناد، وأورده ابن كثير في البداية والنهاية، ولم يعزه إلى مصدر آخر، وأخرجه ابن جرير الطبري من طريق ابن إسحاق من حديث يزيد بن رومان مرسلا (البداية والنهاية 3 / 332 ط مطبعة السعادة، والسير النبوية لابن هشام 2 / 312، 313 ط مصطفى الحلبي 1355 هـ وتاريخ الطبري بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم 2 / 471 نشر دار سويدان بيروت) . انظر المغني 10 / 434، والسير الكبير 1 / 253، 263، والبحر الرائق 5 / 88، والتاج والإكليل 3 / 360، والمهذب 2 / 236.
(2) جعلت الشريعة للإمام حق استرقاق الأسرى، وتصرفه في ذلك منوط بالمصحلة، وحيث إن هناك اتفاقا دوليا بمنع الاسترتاق، فإن هذا لا يناقض الشريعة، ولا ينافي أن هذا من حق الإمام، لأن الشريعة في كثير من نصوصها تحث على فك الرقاب، فلا ينبغي للإمام الآن أن يلجأ إلى