كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْل أَبِي عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلاَّمٍ عَدَمُ جَوَازِ الْفِدَاءِ بِمَالٍ. (1)
وَيَدُل عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّ قَتْل الأَْسَارَى مَأْمُورٌ بِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَْعْنَاقِ} (2) وَأَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إِلَى مَا بَعْدَ الأَْخْذِ وَالاِسْتِرْقَاقِ، وقَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (3) وَالأَْمْرُ بِالْقَتْل لِلتَّوَسُّل إِلَى الإِْسْلاَمِ، فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ إِلاَّ لِمَا شُرِعَ لَهُ الْقَتْل، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَسِيلَةً إِلَى الإِْسْلاَمِ، وَلاَ يَحْصُل مَعْنَى التَّوَسُّل بِالْمُفَادَاةِ بِالْمَال، كَمَا أَنَّ فِي ذَلِكَ إِعَانَةً لأَِهْل الْحَرْبِ، لأَِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى الْمَنَعَةِ، فَيَصِيرُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَقَتْل الْمُشْرِكِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَرْضٌ مُحْكَمٌ، وَفِي الْمُفَادَاةِ تَرْكُ إِقَامَةِ هَذَا الْفَرْضِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَال فِي الأَْسِيرِ: لاَ تُفَادُوهُ وَإِنْ أُعْطِيتُمْ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ ذَهَبٍ " (4) وَلأَِنَّهُ صَارَ بِالأَْسْرِ مِنْ أَهْل دَارِنَا، فَلاَ يَجُوزُ
__________
(1) المبسوط 10 / 138، وتبيين الحقائق 3 / 249، والبحر الرائق 5 / 90، ومواهب الجليل 3 / 359، والأموال ص 117 فقرة 313، والإنصاف 4 / 130، وابن عابدين 3 / 229.
(2) سورة الأنفال / 12.
(3) سورة التوبة / 5.
(4)) الأثر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج بلفظ " إن أخذتم أحدا من المشركين فأعطيتم به مدين دنانير فلا تفادوه " (كتاب الخراج ص 196 نشر المكتبة السلفية 1352 هـ) والمدي +: مكيال لأهل الشام.
إِعَادَتُهُ لِدَارِ الْحَرْبِ، لِيَكُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَفِي هَذَا مَعْصِيَةٌ، وَارْتِكَابُ الْمَعْصِيَةِ لِمَنْفَعَةِ الْمَال لاَ يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْطَوْنَا مَالاً لِتَرْكِ الصَّلاَةِ لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَفْعَل ذَلِكَ مَعَ الْحَاجَةِ، فَكَذَا لاَ يَجُوزُ تَرْكُ قَتْل الْمُشْرِكِ بِالْمُفَادَاةِ (1) .
وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّ لِلإِْمَامِ حَقَّ الْمُفَادَاةِ بِالْمَال، فَإِنَّ هَذَا الْمَال يَكُونُ لِلْغَانِمِينَ، وَلَيْسَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُسْقِطَ شَيْئًا مِنَ الْمَال الَّذِي يَفْرِضُهُ عَلَيْهِمْ مُقَابِل الْفِدَاءِ إِلاَّ بِرِضَى الْغَانِمِينَ. (2)

فِدَاءُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ بِأَسْرَى الأَْعْدَاءِ:
25 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (3) مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى جَوَازِ تَبَادُل الأَْسْرَى، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْل النَّبِيِّ أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ (4) وَقَوْلِهِ إِنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي فَيْئِهِمْ أَنْ يُفَادُوا أَسِيرَهُمْ، وَيُؤَدُّوا عَنْ غَارِمِهِمْ (5) وَفَادَى النَّبِيُّ رَجُلَيْنِ مِنِ الْمُسْلِمِينَ
__________
(1) البدائع 7 / 119، 120، والمبسوط 10 / 138، 139. ولا يخفى أن ظاهر الآية إن تعين القتل أولا قبل الإثخان، فإذا أثخنوا أجرى عليهم ما في الآية من المن أو الفداء.
(2) حاشية الدسوقي والشرح الكبير 2 / 184، والمهذب 2 / 237، والمغني 10 / 403.
(3) تبيين الحقائق 3 / 249، وحاشية ابن عابدين 3 / 229، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 184، وبداية المجتهد 1 / 392، وأحكام القرآن لابن العربي 2 / 868، والإقناع 5 / 8، ونهاية المحتاج 8 / 65، والمهذب 2 / 237، والمغني والشرح الكبير 10 / 401، والإنصاف 4 / 130، ومطالب أولي النهى 2 / 521.
(4) حديث: " أطعموا الجائع. . . . ". أخرجه البخاري من حديث أبي موسى الأشعري (فتح الباري 10 / 112 ط السلفية) .
(5) حديث: " إن على المسلمين في فيئهم. . . . " أخرجه سعيد بن منصور من حديث حبان بن أبي جبلة. والحديث مرسل (سنن سعيد بن منصور، القسم الثاني من المجلد الثالث ص 317 ط الهند) .

الصفحة 203