كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: اُحْتُمِل أَنْ يَجُوزَ لأَِهْل الْعَدْل حَبْسُ مَنْ مَعَهُمْ، لِيَتَوَصَّلُوا إِلَى تَخْلِيصِ أُسَارَاهُمْ، وَيُحْتَمَل أَلاَّ يَجُوزَ حَبْسُهُمْ وَيُطْلَقُونَ، لأَِنَّ الْمُتَرَتِّبَ فِي أُسَارَى أَهْل الْعَدْل لِغَيْرِهِمْ. (1)
42 - وَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ قَتْلِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ وَلاَ يُخَلَّى سَبِيلُهُمْ، إِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنَعَةٌ، وَلَوْ كَانَ الأَْسِيرُ صَبِيًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا إِنْ كَانُوا مُقَاتِلِينَ، وَإِلاَّ أُطْلِقُوا بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَيَنْبَغِي عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ وَمُبَايَعَةُ الإِْمَامِ. (2) وَلَوْ كَانُوا مُرَاهِقِينَ وَعَبِيدًا وَنِسَاءً غَيْرَ مُقَاتِلِينَ أَوْ أَطْفَالاً أُطْلِقُوا بَعْدَ الْحَرْبِ دُونَ أَنْ نَعْرِضَ عَلَيْهِمْ مُبَايَعَةَ الإِْمَامِ. وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُحْبَسُونَ، لأَِنَّ فِيهِ كَسْرًا لِقُلُوبِ الْبُغَاةِ. (3) وَقَالُوا: إِنْ بَطَلَتْ شَوْكَتُهُمْ وَيُخَافُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْحَال، فَالصَّوَابُ عَدَمُ إِرْسَال أَسِيرِهِمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. (4)
أَسْرَى الْحَرْبِيِّينَ إِذَا أَعَانُوا الْبُغَاةَ:
43 - قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا اسْتَعَانَ الْبُغَاةُ عَلَى قِتَالِنَا بِقَوْمٍ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ وَأَمَّنُوهُمْ، أَوْ لَمْ يُؤْمِنُوهُمْ، فَظَهَرَ أَهْل الْعَدْل عَلَيْهِمْ، فَوَقَعُوا فِي الأَْسْرِ عِنْدَ أَهْل الْعَدْل، أَخَذُوا حُكْمَ أَسْرَى أَهْل الْحَرْبِ (5) ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مَا إِذَا قَال الأَْسِيرُ: ظَنَنْتُ جَوَازَ إِعَانَتِهِمْ، أَوْ أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ وَلِيَ إِعَانَةُ الْمُحِقِّ، وَأَمْكَنَ تَصْدِيقُهُ فَإِنَّهُ يُبَلَّغُ مَأْمَنَهُ، ثُمَّ يُقَاتَل كَالْبُغَاةِ. (6)
__________
(1) المغني 10 / 64.
(2) حاشية الجمل 5 / 117، وشرح روض الطالب 4 / 114.
(3) المغني 10 / 64.
(4) الفروع 3 / 544، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 39.
(5) فتح القدير 4 / 415، 416 والمغني 10 / 71.
(6) حاشية الجمل على شرح المنهج 5 / 118.
الأَْسْرَى مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ إِذَا أَعَانُوا الْبُغَاةَ:
44 - إِذَا اسْتَعَانَ الْبُغَاةُ عَلَى قِتَالِنَا بِأَهْل الذِّمَّةِ، فَوَقَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الأَْسْرِ، أَخَذَ حُكْمَ الْبَاغِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ يُقْتَل إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ، وَيُخَيَّرُ الإِْمَامُ إِذَا كَانَتْ لَهُ فِئَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا اسْتَعَانَ الْبَاغِي الْمُتَأَوِّل بِذِمِّيٍّ فَلاَ يَغْرَمُ الذِّمِّيُّ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَلاَ يُعَدُّ خُرُوجُهُ مَعَهُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ. أَمَّا إِنْ كَانَ الْبَاغِي مُعَانِدًا - أَيْ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ - فَإِنَّ الذِّمِّيَّ الَّذِي مَعَهُ يَكُونُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ، وَيَكُونُ هُوَ وَمَالُهُ فَيْئًا. وَهَذَا إِنْ كَانَ مُخْتَارًا، أَمَّا إِنْ كَانَ مُكْرَهًا فَلاَ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ، وَإِنْ قَتَل نَفْسًا يُؤْخَذُ بِهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ مُكْرَهًا. (2)
وَقَوْل الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ كَقَوْل الْمَالِكِيَّةِ. قَالُوا: لَوْ أَعَانَ الذِّمِّيُّونَ الْبُغَاةَ فِي الْقِتَال، وَهُمْ عَالِمُونَ بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارُونَ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، كَمَا لَوِ انْفَرَدُوا بِالْقِتَال.
أَمَّا إِنْ قَال الذِّمِّيُّونَ: كُنَّا مُكْرَهِينَ، أَوْ ظَنَنَّا جَوَازَ الْقِتَال إِعَانَةً، أَوْ ظَنَنَّا أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ فِيمَا فَعَلُوهُ، وَأَنَّ لَنَا إِعَانَةَ الْمُحِقِّ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمْ، فَلاَ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ، لِمُوَافَقَتِهِمْ طَائِفَةً مُسْلِمَةً مَعَ عُذْرِهِمْ، وَيُقَاتَلُونَ كَبُغَاةٍ.
وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ الْمُسْتَأْمَنُونَ، عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ. (3)
وَلِلْحَنَابِلَةِ قَوْلاَنِ فِي انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ، أَحَدُهُمَا: يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ، لأَِنَّهُمْ قَاتَلُوا أَهْل الْحَقِّ فَانْتَقَضَ عَهْدُهُمْ كَمَا لَوِ انْفَرَدُوا بِقَتْلِهِمْ. وَيَصِيرُونَ كَأَهْل
__________
(1) تبيين الحقائق 3 / 295، وفتح القدير 4 / 415.
(2) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 300.
(3) الجمل على شرح المنهاج 5 / 118.
الصفحة 210