كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَرَقَّ رِجَالُهُمْ، وَلَكِنْ تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمُ الَّذِينَ حَدَثُوا بَعْدَ الرِّدَّةِ، لأَِنَّهَا دَارٌ تَجْرِي فِيهَا أَحْكَامُ أَهْل الْحَرْبِ فَكَانَتْ دَارَ حَرْبٍ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُهَادَنُوا عَلَى الْمُوَادَعَةِ، وَلاَ يُصَالَحُوا عَلَى مَالٍ يَقَرُّونَ بِهِ عَلَى رِدَّتِهِمْ، بِخِلاَفِ أَهْل الْحَرْبِ. (1) وَقَدْ سَبَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَرَارِيَّ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَسَبَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَنِي نَاجِيَةَ.
وَإِنْ أَسْلَمُوا حُقِنَتْ دِمَاؤُهُمْ، وَمَضَى فِيهِمْ حُكْمُ السَّبَاءِ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، فَأَمَّا الرِّجَال فَأَحْرَارٌ لاَ يُسْتَرَقُّونَ، وَلَيْسَ عَلَى الرِّجَال مِنْ أَهْل الرِّدَّةِ سَبْيٌ وَلاَ جِزْيَةٌ، إِنَّمَا هُوَ الْقَتْل أَوِ الإِْسْلاَمُ. وَإِنْ تَرَكَ الإِْمَامُ السَّبَاءَ وَأَطْلَقَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ وَتَرَكَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَهُوَ فِي سَعَةٍ.
48 - وَيُصَرِّحُ الْمَالِكِيَّةُ بِعَدَمِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ إِنْ حَارَبُوا بِأَرْضِ الْكُفْرِ أَوْ بِأَرْضِ الإِْسْلاَمِ، يَقُول ابْنُ رُشْدٍ: إِذَا حَارَبَ الْمُرْتَدُّ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْتَل بِالْحِرَابَةِ، وَلاَ يُسْتَتَابُ، كَانَتْ حِرَابَتُهُ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ أَوْ بَعْدَ أَنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ إِلاَّ أَنْ يُسْلِمَ، فَإِنْ كَانَتْ حِرَابَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ كَالْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ، لاَ تِبَاعَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا فَعَل فِي حَال ارْتِدَادِهِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ حِرَابَتُهُ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ إِسْلاَمُهُ عَنْهُ حُكْمَ الْحِرَابَةِ خَاصَّةً. (2) وَعَنِ ابْنِ
__________
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 36، 37، والخراج ص 67 ط 1182 هـ، وفتح القدير 4 / 211، والمبسوط 10 / 113، 114، والمهذب 2 / 224، والأحكام السلطانية للماوردي ص 49.
(2) بداية المجتهد 2 / 498، والتاج والإكليل 6 / 281.
الْقَاسِمِ قَال: إِذَا ارْتَدَّ جَمَاعَةٌ فِي حِصْنٍ فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ، وَأَمْوَالُهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ. وَقَال أَصْبَغُ: تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَتُقْسَمُ أَمْوَالُهُمْ.
وَهَذَا الَّذِي خَالَفَتْ فِيهِ سِيرَةُ عُمَرَ سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الَّذِينَ ارْتَدُّوا مِنَ الْعَرَبِ، فَقَدْ سَبَى أَبُو بَكْرٍ النِّسَاءَ وَالصِّغَارَ، وَأَجْرَى الْمُقَاسَمَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ نَقَضَ ذَلِكَ. (1)
49 - وَيَتَّفِقُ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ الأَْسِيرَ الْمُرْتَدَّ يُقْتَل إِنْ لَمْ يَتُبْ وَيَعُدْ إِلَى الإِْسْلاَمِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ، وَبِهِ قَال الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ، لِعُمُومِ حَدِيثِ: مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ (2) .
50 - وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تُقْتَل، وَإِنَّمَا تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ.
أَمَّا لَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تُقَاتِل، أَوْ كَانَتْ ذَاتَ رَأْيٍ فَإِنَّهَا تُقْتَل اتِّفَاقًا. لَكِنَّهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تُقْتَل لاَ لِرِدَّتِهَا، بَل لأَِنَّهَا تَسْعَى بِالْفَسَادِ.
وَيَسْتَدِل الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَدَمِ قَتْل الْمَرْأَةِ الْمُرْتَدَّةِ إِذَا أُخِذَتْ سَبْيًا بِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْل الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَقْ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلاَ يَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً وَلاَ عَسِيفًا (3) ،
__________
(1) التاج والإكليل 3 / 386.
(2) حديث " من بدل دينه فاقتلوه ". أخرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا (فتح الباري 12 / 267 ط السلفية) .
(3) المبسوط 10 / 98، والمهذب 2 / 223، وأسنى المطالب 4 / 121، وبداية المجتهد 2 / 498، وحاشية الدسوقي 4 / 304، والمغني 10 / 74، والفروع 3 / 557، والفتح 4 / 389. وحديث " الحقْ بخالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا عسيفا " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم واللفظ له، من حديث رباح بن الربيع، وقال الحاكم: وهكذا رواه المغيرة بن عبد الرحمن وابن جريح عن أبي الزناد، فصار الحديث صحيحا على شرط الشيخين ولم (مسند أحمد بن حنبل 3 / 488 ط الميمنية، والفتح الرباني 14 / 64 الطبعة الأولى 1370 هـ، وعون المعبود 3 / 6 - 7 الهند، وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 948 ط عيسى الحلبي، وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ص 398 ط دار الكتب العلمية، والمستدرك 2 / 122 نشر دار الكتاب العربي) .
الصفحة 212