كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
كَفَّارَةٌ، لأَِنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ، وَالْغَرَامَاتُ لاَ تُقْرَنُ بِالْفُرُوضِ، لأَِنَّ الْفَرْضَ مَأْمُورٌ بِهِ لاَ مَحَالَةَ، وَسَبَبُ الْغَرَامَاتِ عُدْوَانٌ مَحْضٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ، فَوُجُوبُ الضَّمَانِ يَمْنَعُ مِنْ إِقَامَةِ الْفَرْضِ، لأَِنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ لُزُومِ الضَّمَانِ، وَهَذَا لاَ يَتَعَارَضُ مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الإِْسْلاَمِ دَمٌ مُفْرَجٌ (1) - أَيْ مُهْدَرٌ - لأَِنَّ النَّهْيَ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْبُغَاةُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ، فَتُخَصُّ صُورَةُ النِّزَاعِ، كَمَا أَنَّ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ خَاصٌّ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ. (2)
67 - وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ قَوْلاً وَاحِدًا، وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: تَجِبُ، لأَِنَّهُ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً، فَيَدْخُل فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} (3) .
الثَّانِيَةُ: لاَ دِيَةَ، لأَِنَّهُ قَتَل فِي دَارِ الْحَرْبِ بِرَمْيٍ مُبَاحٍ، فَيَدْخُل فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (4) وَلَمْ
__________
(1) حديث: " ليس في الإسلام دم مفرج " أورده ابن الأثير في النهاية نقلا عن الهروي بلفظ " العقل على المسلمين عامة، فلا يترك في الإسلام دم مفرج " ولم يصرح بأنه حديث نبوي. وأخرج عبد الرزاق عن علي رضي الله عنه أنه قال: " أيما قتيل بفلاة من الأرض فديته من بيت ال (النهاية لابن الأثير 3 / 423 ط عيسى الحلبي، وكنز العمال 15 / 143 نشر مكتبة التراث الإسلامي) .
(2) الفتح والعناية 4 / 287.
(3) سورة النساء / 94.
(4) سورة النساء / 92.
يَذْكُرْ دِيَةً. (1) وَعَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. (2)
68 - وَيَقُول الْجَمَل الشَّافِعِيُّ: وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ إِنْ عُلِمَ الْقَاتِل، لأَِنَّهُ قَتَل مَعْصُومًا، وَكَذَا الدِّيَةُ، لاَ الْقِصَاصُ، لأَِنَّهُ مَعَ تَجْوِيزِ الرَّمْيِ لاَ يَجْتَمِعَانِ. (3) وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْلَمَ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الإِْمْكَانِ تَوَقِّيهِ. (4)
وَيَنْقُل الْبَابَرْتِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَال: إِنْ قَصَدَهُ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ الدِّيَةُ، عَلِمَهُ مُسْلِمًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ، لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِعَيْنِهِ بَل رَمَى إِلَى الصَّفِّ فَأُصِيبَ فَلاَ دِيَةَ عَلَيْهِ.
وَالتَّعْلِيل الأَْوَّل أَنَّ الإِْقْدَامَ عَلَى قَتْل الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، وَتَرْكَ قَتْل الْكَافِرِ جَائِزٌ، لأَِنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَقْتُل الأُْسَارَى لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ تَرْكُهُ لِعَدَمِ قَتْل الْمُسْلِمِ أَوْلَى، وَلأَِنَّ مَفْسَدَةَ قَتْل الْمُسْلِمِ فَوْقَ مَصْلَحَةِ قَتْل الْكَافِرِ. (5)
69 - وَلَمْ نَقِفْ لِلْمَالِكِيَّةِ عَلَى شَيْءٍ فِي هَذَا إِلاَّ مَا قَالَهُ الدُّسُوقِيُّ عِنْدَ تَعْلِيقِهِ عَلَى قَوْل خَلِيلٍ: وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ، فَقَال: وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِأَمْوَال الْمُسْلِمِينَ فَيُقَاتَلُونَ وَلاَ يُتْرَكُونَ. وَيَنْبَغِي ضَمَانُ قِيمَتِهِ عَلَى مَنْ رَمَاهُمْ، قِيَاسًا عَلَى مَا يُرْمَى مِنَ السَّفِينَةِ لِلنَّجَاةِ مِنَ الْغَرَقِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا إِتْلاَفُ مَالٍ لِلنَّجَاةِ. (6)
__________
(1) المغني 10 / 505.
(2) الإنصاف 4 / 129.
(3) حاشية الجمل 4 / 191.
(4) نهاية المحتاج 8 / 62.
(5) العناية على الفتح 4 / 287.
(6) حاشية الدسوقي 2 / 178.
الصفحة 218