كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
مَدَى تَطْبِيقِ بَعْضِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ
حَقُّ الأَْسِيرِ فِي الْغَنِيمَةِ:
70 - يَسْتَحِقُّ مَنْ أُسِرَ قَبْل إِحْرَازِ الْغَنِيمَةَ فِيمَا غُنِمَ قَبْل الأَْسْرِ، إِذَا عُلِمَ حَيَاتُهُ أَوِ انْفَلَتَ مِنَ الأَْسْرِ. لأَِنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِيهَا، وَبِالأَْسْرِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلاً، لِتَقَرُّرِ حَقِّهِ بِالإِْحْرَازِ. وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِيمَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ أَسْرِهِ، لأَِنَّ الْمَأْسُورَ فِي يَدِ أَهْل الْحَرْبِ لاَ يَكُونُ مَعَ الْجَيْشِ حَقِيقَةً وَلاَ حُكْمًا، فَهُوَ لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِي إِصَابَةِ هَذَا، وَلاَ فِي إِحْرَازِهِ بِالدَّارِ. وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مَصِيرُ هَذَا الأَْسِيرِ فِي يَدِ الْحَرْبِيِّينَ قُسِمَتِ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ يُوقَفْ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ. وَإِنْ قُسِمَتِ الْغَنَائِمُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ حَيًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، لأَِنَّ حَقَّ الَّذِينَ قُسِمَ بَيْنَهُمْ قَدْ تَأَكَّدَ بِالْقِسْمَةِ وَثَبَتَ مِلْكُهُمْ فِيهَا، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ إِبْطَال الْحَقِّ الضَّعِيفِ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِذَا هَرَبَ فَأَدْرَكَ الْحَرْبَ قَبْل تَقَضِّيهَا أُسْهِمَ لَهُ، وَفِي قَوْلٍ لاَ شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ. (1)
71 - وَمَنْ أُسِرَ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْغَنَائِمِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَيْعِهَا، وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِحَاجَةِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُهُ حَتَّى يَجِيءَ فَيَأْخُذَهُ، أَوْ يَظْهَرَ مَوْتُهُ فَيَكُونَ لِوَرَثَتِهِ، لأَِنَّ حَقَّهُ قَدْ تَأَكَّدَ فِي الْمَال الْمُصَابِ بِالإِْحْرَازِ. (2)
وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: أَنَّ الْغَنِيمَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِلْمُجَاهِدَيْنِ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ
__________
(1) السير الكبير وشرحه 3 / 913، 914، والإنصاف 4 / 165.
(2) شرح السير الكبير 3 / 913، 914.
مِمَّنْ حَضَرَ الْقِتَال، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رِدْءًا لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَال. (1) وَتَفْصِيل الْكَلاَمِ فِي هَذَا مَوْضِعُهُ مُصْطَلَحُ (غَنِيمَة) .
حَقُّ الأَْسِيرِ فِي الإِْرْثِ وَتَصَرُّفَاتُهُ الْمَالِيَّةُ:
72 - أَسِيرُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي مَعَ الْعَدُوِّ يَرِثُ إِذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ فِي قَوْل عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّ الْكُفَّارَ لاَ يَمْلِكْنَ الأَْحْرَارَ بِالْقَهْرِ، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُرِّيَّتِهِ، فَيَرِثُ كَغَيْرِهِ. (2) وَكَذَلِكَ لاَ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ، لأَِنَّ تَصَرُّفَهُ فِي مَالِهِ نَافِذٌ، وَلاَ أَثَرَ لاِخْتِلاَفِ الدَّارِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ. (3) فَقَدْ كَانَ شُرَيْحٌ يُوَرِّثُ الأَْسِيرَ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ. . . (4) فَهَذَا الْحَدِيثُ بِعُمُومِهِ يُؤَيِّدُ قَوْل الْجُمْهُورِ أَنَّ الأَْسِيرَ إِذَا وَجَبَ لَهُ مِيرَاثٌ يُوقَفُ لَهُ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ لَمْ يُوَرِّثِ الأَْسِيرَ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُ (5) .
73 - وَالْمُسْلِمُ الَّذِي أَسَرَهُ الْعَدُوُّ، وَلاَ يُدْرَى أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ، مَعَ أَنَّ مَكَانَهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ دَارُ الْحَرْبِ، لَهُ حُكْمٌ فِي الْحَال، فَيُعْتَبَرُ حَيًّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، حَتَّى
__________
(1) بداية المجتهد 1 / 405.
(2) المغني 7 / 131.
(3) الشرح الكبير مطبوع مع المغني 2 / 446.
(4) حديث " من ترك مالا فلورثته " أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا (فتح الباري 9 / 515، 516 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 3 / 1237 ط عيسى الحلبي) .
(5) إرشاد الساري شرح صحيح البخاري 9 / 443، 444 الطبعة السابقة سنة 1326 هـ، وفتح الباري 12 / 49 ط السلفية.
الصفحة 219