كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
تَعْلِيقُهُمَا جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ، لأَِنَّهُمَا إِسْقَاطٌ مَحْضٌ، وَالْمُعَاوَضَةُ فِيهِمَا مَعْدُولٌ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ.
وَأَمَّا الْخُلْعُ فَقَدْ أَجَازَ تَعْلِيقَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ، بِاعْتِبَارِهِ طَلاَقًا، وَمَنَعَهُ الْحَنَابِلَةُ لِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ.
وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَقَدْ أَجَازَ تَعْلِيقَهَا بِالشَّرْطِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَمَنَعَهَا الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، جَاءَ فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيِّ: الْمُعَاوَضَةُ غَيْرُ الْمَحْضَةِ وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ الْمَال فِيهَا مَقْصُودًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ (أَيْ كَالْمُكَاتَبَةِ) لاَ تَقْبَل التَّعْلِيقَ، إِلاَّ فِي الْخُلْعِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ. (1)
26 - (ج) الإِْسْقَاطُ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، كَالإِْبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ. وَقَدْ أَجَازَ تَعْلِيقَهُ عَلَى الشَّرْطِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ. غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَيَّدُوهُ بِالشَّرْطِ الْمُلاَئِمِ أَوِ الْمُتَعَارَفِ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْسِيرُهُ. وَمَنَعَ تَعْلِيقَهُ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ.
وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ ثَلاَثَ صُوَرٍ يَجُوزُ فِيهَا التَّعْلِيقُ، وَهِيَ:
(1) لَوْ قَال: إِنْ رَدَدْتَ ضَالَّتِي فَقَدْ أَبْرَأْتُكَ عَنِ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْكَ صَحَّ.
(2) تَعْلِيقُ الإِْبْرَاءِ ضِمْنًا، كَمَا إِذَا عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ، ثُمَّ كَاتَبَهُ فَوُجِدَتِ الصِّفَةُ، عَتَقَ، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ الإِْبْرَاءَ مِنَ النُّجُومِ (أَيِ الأَْقْسَاطِ) .
(3) الْبَرَاءَةُ الْمُعَلَّقَةُ بِمَوْتِ الْمُبَرِّئِ (2) ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ.
__________
(1) البدائع 3 / 152، 4 / 137، وفتح القدير 4 / 164، ونهاية المحتاج 6 / 402، والمهذب 2 / 210، 212، وقليوبي 3 / 314، والمنثور 1 / 370، 2 / 403، ومنتهى الإرادات 3 / 110، 113، 2 / 655، 675، والمغني 7 / 72، وجواهر الإكليل 1 / 335، 336، 2 / 312، ومنح الجليل 4 / 628.
(2) ابن عابدين 4 / 225، 231، 480، وفتح العلي المالك 1 / 281، ومنتهى الإرادات 2 / 521، والمغني 4 / 359، والمنثور 1 / 83، 84، 85، وأشباه السيوطي ص 287، وقليوبي 3 / 310.
ثَانِيًا: تَقْيِيدُ الإِْسْقَاطِ بِالشَّرْطِ:
27 - يَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ تَقْيِيدُ الإِْسْقَاطَاتِ بِالشُّرُوطِ، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ صَحِيحًا لَزِمَ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ فَاسِدًا فَلِكُل مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا يُعْتَبَرُ فَاسِدًا مِنَ الشُّرُوطِ وَمَا لاَ يُعْتَبَرُ، وَهَل يَبْطُل التَّصَرُّفُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ، أَوْ يَبْطُل الشَّرْطُ وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ. وَنَتْرُكُ التَّفَاصِيل لِمَوَاضِعِهَا.
لَكِنَّ الْحُكْمَ الْغَالِبَ فِي الإِْسْقَاطَاتِ أَنَّهَا لَوْ قُيِّدَتْ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، صَحَّ وَبَطَل الشَّرْطُ.
وَيَتَبَيَّنُ هَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الضَّوَابِطِ، وَمِنَ الْفُرُوعِ الَّتِي أَوْرَدَهَا غَيْرُهُمْ، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: كُل مَا جَازَ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالشَّرْطِ، وَلاَ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ، الْفَاسِدِ.
وَقَالُوا أَيْضًا: مَا لَيْسَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ لاَ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الدُّرِّ وَابْنُ عَابِدِينَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَصِحُّ وَلاَ تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَمِنْهَا: الطَّلاَقُ وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ وَالإِْيصَاءُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالإِْذْنُ فِي التِّجَارَةِ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالإِْبْرَاءُ عَنْهُ. (1)
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَلَمْ يَرْبِطُوا بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالتَّقْيِيدِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ مَا يَقْبَل الشَّرْطَ وَالتَّعْلِيقَ: الطَّلاَقُ وَالْعِتْقُ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ قَبُول التَّعْلِيقِ قَبُول الشَّرْطِ، وَلاَ مِنْ قَبُول الشَّرْطِ قَبُول التَّعْلِيقِ، وَتُطْلَبُ الْمُنَاسَبَةُ فِي كُل بَابٍ مِنْ
__________
(1) الدر وحاشية ابن عابدين 4 / 225، 227، 228، 232.
الصفحة 234