كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
أَبْوَابِ الْفِقْهِ (1) . وَمِنَ الأَْمْثِلَةِ الَّتِي وَرَدَتْ عِنْدَهُمْ: لَوْ خَالَعَتْ زَوْجَهَا وَاشْتَرَطَتِ الرَّجْعَةَ، لَزِمَ الْخُلْعُ، وَبَطَل الشَّرْطُ (2) . وَلَوْ صَالَحَ الْجَانِي وَلِيَّ الدَّمِ عَلَى شَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ يَرْحَل مِنَ الْبَلَدِ، فَقَال ابْنُ كِنَانَةَ: الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ: لاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ، وَقَال الْمُغِيرَةُ: الشَّرْطُ جَائِزٌ وَالصُّلْحُ لاَزِمٌ، وَكَانَ سَحْنُونٌ يُعْجِبُهُ قَوْل الْمُغِيرَةِ (3) .
وَيَقُول الشَّافِعِيَّةُ: الشَّرْطُ الْفَاسِدُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ، وَمِثْل ذَلِكَ فِي الإِْسْقَاطَاتِ الْكِتَابَةُ وَالْخُلْعُ (4) .
وَمِمَّا قَالَهُ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ: إِذَا قُيِّدَ الْخُلْعُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ صَحَّ الْخُلْعُ وَلَغَا الشَّرْطُ. وَفِي الْمُغْنِي: الْعِتْقُ وَالطَّلاَقُ لاَ تُبْطِلُهُمَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ (5) .
ثَالِثًا: إِضَافَةُ الإِْسْقَاطِ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَل:
28 - مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَظْهَرُ أَثَرُهَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِ تَمَّامِ الصِّيغَةِ، وَلاَ تَقْبَل إِرْجَاءَ حُكْمِهَا إِلَى زَمَنٍ آخَرَ كَالزَّوَاجِ وَالْبَيْعِ.
وَمِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا تَكُونُ طَبِيعَتُهَا تَمْنَعُ ظُهُورَ أَثَرِهَا إِلاَّ فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَالْوَصِيَّةِ.
وَمِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَقَعُ حُكْمُهُ مُنْجَزًا، كَالطَّلاَقِ تَنْتَهِي بِهِ الزَّوْجِيَّةُ فِي الْحَال، وَيَصِحُّ أَنْ يُضَافَ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ لاَ تَنْتَهِي الزَّوْجِيَّةُ إِلاَّ عِنْدَ حُصُولِهِ.
__________
(1) الفروق 1 / 228.
(2) فتح العلي المالك 1 / 266، 338، 374.
(3) حاشية الدسوقي 4 / 263.
(4) المنثور في القواعد للزركشي 3 / 15، 2 / 409، 410.
(5) شرح منتهى الإرادات 3 / 110، والمغني 5 / 71، 72 ط الرياض.
وَإِضَافَةُ الطَّلاَقِ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَل جَائِزٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. (1) وَهُوَ مُنْجَزٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَلَوْ أَضَافَهُ إِلَى الْمُسْتَقْبَل، لأَِنَّهُ بِهَذِهِ الإِْضَافَةِ أَشْبَهُ بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ. (2) وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ فَإِنَّهُ إِسْقَاطٌ يَقْبَل الإِْضَافَةَ.
وَمِمَّا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الإِْسْقَاطَاتِ الَّتِي لاَ تَقْبَل الإِْضَافَةَ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ: الإِْبْرَاءُ مِنَ الدَّيْنِ وَإِسْقَاطُ الْقِصَاصِ. (3) وَالْحُكْمُ الْغَالِبُ أَنَّ الإِْسْقَاطَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ تَقْبَل الإِْضَافَةَ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَل. هَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلِكُل مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ فِي كُل نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ، وَيُنْظَرُ فِي مَوْضِعِهِ.
مَنْ يَمْلِكُ الإِْسْقَاطَ (الْمُسْقِطُ) :
29 - الإِْسْقَاطُ قَدْ يَكُونُ مِنْ قِبَل الشَّرْعِ أَسَاسًا، كَإِسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَكُونُ فِي مُبَاشَرَتِهَا مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَكَإِسْقَاطِ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي تَرِدُ عَلَيْهَا شُبْهَةٌ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.
وَقَدْ يَكُونُ الإِْسْقَاطُ مِنْ قِبَل الْعِبَادِ نَتِيجَةً لأَِمْرِ الشَّارِعِ، إِمَّا عَلَى سَبِيل الْوُجُوبِ كَالْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيل النَّدْبِ كَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ مِنَ الدَّيْنِ، وَكَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ.
وَقَدْ يَكُونُ الإِْسْقَاطُ مِنَ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لأَِسْبَابٍ خَاصَّةٍ، كَإِسْقَاطِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي الشِّرَاءِ. عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 233، والمهذب 2 / 95، وشرح منتهى الإرادات 3 / 146، 148.
(2) الكافي لابن عبد البر 2 / 577.
(3) ابن عابدين 4 / 233 - 234، والمهذب 1 / 357، والمغني 5 / 94، والخرشي 4 / 289.
الصفحة 235