كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

مِنْ غَيْرِ رِضَى صَاحِبِ الْحَقِّ. (1)
وَالإِْسْقَاطُ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ كُل مَحَلٍّ قَابِلاً لِلإِْسْقَاطِ، بَل مِنْهُ مَا يَقْبَل الإِْسْقَاطَ لِتَوَفُّرِ شُرُوطِهِ، وَمِنْهُ مَا لاَ يَقْبَلُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شُرُوطِهِ، كَكَوْنِهِ مَجْهُولاً، أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ وَهَكَذَا. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
مَا يَقْبَل الإِْسْقَاطَ
أَوَّلاً - الدَّيْنُ:
33 - يَصِحُّ بِاتِّفَاقٍ إِسْقَاطُ الدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ، لأَِنَّهُ حَقٌّ، وَالْحُقُوقُ تَسْقُطُ بِالإِْسْقَاطِ، فَكُل مَنْ ثَبَتَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ثَمَنَ مَبِيعٍ، أَمْ كَانَ مُسْلَمًا فِيهِ، أَمْ نَفَقَةً مَفْرُوضَةً مَاضِيَةً لِلزَّوْجَةِ، أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إِسْقَاطُهُ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الإِْسْقَاطُ خَاصًّا بِدَيْنٍ أَمْ عَامًّا لِكُل الدَّيْنِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مُطْلَقًا أَمْ مُعَلَّقًا أَمْ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ. وَكَمَا يَجُوزُ الإِْبْرَاءُ عَنْ كُل الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الإِْبْرَاءُ عَنْ بَعْضِهِ. (2)
وَكَمَا يَصِحُّ إِسْقَاطُ الدَّيْنِ بِدُونِ عِوَضٍ، يَصِحُّ إِسْقَاطُهُ نَظِيرَ عِوَضٍ، مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي الصُّورَةِ أَوِ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي يَتِمُّ بِهَا ذَلِكَ، وَمِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ:
أ - أَنْ يُعْطِيَ الْمَدِينُ الدَّائِنَ ثَوْبًا فِي مُقَابَلَةِ إِبْرَائِهِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَيَمْلِكُ الدَّائِنُ الْعِوَضَ الْمَبْذُول لَهُ نَظِيرَ الإِْبْرَاءِ وَيُبَرَّأُ الْمَدِينُ، وَذَلِكَ كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ. (3)
__________
(1) البدائع 6 / 264.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 653، والبدائع 5 / 203، 214، و 6 / 44، والدسوقي 3 / 220، 310، والمغني 5 / 22، وشرح منتهى الإرادات 3 / 222، 223، 521، والمهذب 1 / 455، وقليوبي 2 / 308، 4 / 368، والوجيز 1 / 177.
(3) الجمل على شرح المنهج 3 / 381، ونهاية المحتاج 4 / 429.
ب - يَقُول الْحَنَابِلَةُ: مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ، وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْتَسِبَ عَلَيْهَا بِدَيْنِهِ مَكَانَ نَفَقَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً فَلَهُ ذَلِكَ، لأَِنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ أَيِّ أَمْوَالِهِ شَاءَ، وَهَذَا مِنْ مَالِهِ.
وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تُعْتَبَرُ مِنْ قَبِيل الْمُقَاصَّةِ، وَالْمُقَاصَّةُ بِالتَّرَاضِي تُعْتَبَرُ إِسْقَاطًا بِعِوَضٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. (1) مَعَ مُرَاعَاةِ شُرُوطِهَا مِنَ اتِّحَادِ الدَّيْنِ قَدْرًا وَوَصْفًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ.
ج - كَذَلِكَ يَأْتِي إِسْقَاطُ الدَّيْنِ نَظِيرَ عِوَضِ صُورَةِ الصُّلْحِ. وَقَدْ قَسَّمَ الْقَرَافِيُّ الإِْسْقَاطَ إِلَى قِسْمَيْنِ: بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ، وَجَعَل مِنَ الإِْسْقَاطِ بِعِوَضٍ الصُّلْحَ عَنَ الدَّيْنِ. (2)
د - فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: إِذَا أَبْرَأَتِ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لِيُطَلِّقَهَا، صَحَّ الإِْبْرَاءُ، وَيَكُونُ بِعِوَضٍ، وَهُوَ أَنَّهُ مَلَّكَهَا نَفْسَهَا. (3)
هـ - وَقَدْ يَأْتِي إِسْقَاطُ الدَّيْنِ بِعِوَضٍ فِي صُوَرِ التَّعْلِيقِ، كَمَنْ قَال لِغَيْرِهِ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي سَيَّارَتَكَ أَسْقَطْتُ عَنْكَ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ (4) .
و وَالإِْبْرَاءُ أَيْضًا فِي صُورَةِ الْخُلْعِ يُعْتَبَرُ مِنْ قَبِيل الْعِوَضِ. (5)
__________
(1) المغني 7 / 576، 9 / 448، والأشباه لابن نجيم ص 266، ومنح الجليل 3 / 53، والمنثور في القواعد 1 / 392.
(2) الذخيرة ص 152 نشر وزارة الأوقاف بالكويت، والهداية 3 / 192، والبدائع 7 / 45، ونهاية المحتاج 4 / 371 - 373، وشرح منتهى الإرادات 2 / 263، والمغني 4 / 527 - 536.
(3) حاشية ابن عابدين 2 / 566.
(4) فتح العلي المالك 1 / 274.
(5) الجمل على شرح المنهج 3 / 381، وشرح منتهى الإرادات 3 / 112.

الصفحة 238