كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
ثَانِيًا: الْعَيْنُ
34 - الأَْصْل أَنَّ الأَْعْيَانَ لاَ تَقْبَل الإِْسْقَاطَ، عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِيمَا لاَ يَقْبَل الإِْسْقَاطَ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ تُعْتَبَرُ إِسْقَاطًا لِلْمِلْكِ. وَذَلِكَ كَالْعِتْقِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ إِسْقَاطًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَهِيَ عَيْنٌ. وَالْعِتْقُ مَشْرُوعٌ بَل مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ شَرْعًا، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ. كَذَلِكَ الْوَقْفُ يُعْتَبَرُ إِسْقَاطًا لِلْمِلْكِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، فَفِي قَوَاعِدِ الْمُقْرِي: وَقْفُ الْمَسَاجِدِ إِسْقَاطُ مِلْكٍ إِجْمَاعًا، وَفِي غَيْرِهَا قَوْلاَنِ. (1)
وَقَدْ يَأْتِي إِسْقَاطُ الْعَيْنِ نَظِيرَ عِوَضٍ عَمَّنْ عَقَدَ الصُّلْحَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ شَرْعًا لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَل حَرَامًا. (2) وَسَوَاءٌ أَكَانَ عَنْ إِقْرَارٍ، أَمْ عَنْ إِنْكَارٍ، أَمْ سُكُوتٍ، فَإِنْ كَانَ عَنْ إِنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ
__________
(1) منح الجليل 4 / 77، 78، والمغني 5 / 600، والهداية 3 / 13.
(2) حديث: " الصلح جائز. . . " أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن عوف المزني مرفوعا. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، قال صاحب تحفة الأحوذي: وفي تصحيح الترمذي هذا الحديث نظر، فإن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو ضعيف جدا. وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود والحاكم، إلا أن اوسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 788 ط عيسى الحلبي، ومختصر سنن أبي داود للمنذري 5 / 213، 214 نشر دار المعرفة، والمستدرك 2 / 49 نشر دار الكتاب العربي، ومسند أحمد بن حنبل 2 / 366، وشرح السنة للبغوي بتحقيق شعيب الأرناؤوط 8 / 209 نشر المكتب الإسلامي، ونيل الأوطار 5 / 378، 379 ط دار الجيل الجديد) .
فَهُوَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي مُعَاوَضَةُ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ، وَفِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ افْتِدَاءُ الْيَمِينِ وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ وَهَذَا مَشْرُوعٌ. بَل إِنَّ بَعْضَ الْحَنَابِلَةِ أَجَازَ الصُّلْحَ عَمَّا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ بِمَالٍ لِئَلاَّ يُفْضِيَ إِلَى ضَيَاعِ الْمَال.
وَيُلاَحَظُ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لاَ يُجِيزُونَ الصُّلْحَ عَنْ إِنْكَارٍ.
وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ اُعْتُبِرَ كَالْبَيْعِ، إِنْ كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ، أَوْ كَالإِْجَارَةِ إِنْ كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ، أَوْ كَالْهِبَةِ إِنْ كَانَ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ الْعَيْنِ. (1) وَيُعْتَبَرُ فِي كُل حَالٍ شُرُوطُهَا. وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (صُلْح) .
ثَالِثًا: الْمَنْفَعَةُ:
35 - الْمَنَافِعُ حُقُوقٌ تَثْبُتُ لِمُسْتَحِقِّيهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ نَتِيجَةَ مِلْكِ الْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا، أَمْ كَانَتْ نَتِيجَةَ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ (أَيِ الْعَيْنِ) بِمُقْتَضَى عَقْدٍ، كَالإِْجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ، أَوْ بِغَيْرِ عَقْدٍ، كَتَحْجِيرِ الْمَوَاتِ لإِِحْيَائِهِ، وَالاِخْتِصَاصِ بِمَقَاعِدِ الأَْسْوَاقِ، وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ.
وَالأَْصْل فِي الْمَنَافِعِ أَنَّهَا تَقْبَل الإِْسْقَاطَ بِإِسْقَاطِ مَالِكِ الْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا أَوْ مُسْتَحِقِّ مَنْفَعَتِهَا، إِذْ كُل جَائِزِ التَّصَرُّفِ لاَ يُمْنَعُ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّهِ، مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ. (2) وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. وَصُوَرُ ذَلِكَ
__________
(1) الهداية 3 / 192، 193، والبدائع 7 / 46، وابن عابدين 3 / 333، ومنح الجليل 3 / 201، وجواهر الإكليل 2 / 102، ونهاية المحتاج 4 / 371 - 373، والمهذب 1 / 340، وشرح منتهى الإرادات 2 / 263، والمغني 4 / 527 - 536، 546.
(2) البدائع 7 / 227، وشرح منتهى الإرادات 2 / 260، والمنثور في القواعد 3 / 393.
الصفحة 239