كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْعُ الْعَامُّ، أَوْ هُوَ امْتِثَال أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ.
وَحَقٌّ خَالِصٌ لِلْعِبَادِ، وَهُوَ مَصَالِحُهُمُ الْمُقَرَّرَةُ بِمُقْتَضَى الشَّرِيعَةِ.
وَمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ، كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالتَّعْزِيرِ.
وَالأَْصْل أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لأَِنَّهُ مَا مِنْ حَقٍّ لِلْعَبْدِ إِلاَّ وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَمْرُهُ بِإِيصَال ذَلِكَ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ.
وَإِفْرَادُ نَوْعٍ مِنَ الْحُقُوقِ بِجَعْلِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَقَطْ، إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ تَسْلِيطِ الْعَبْدِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ بِحَيْثُ لَوْ أَسْقَطَهُ لَسَقَطَ، فَكُل وَاحِدٍ مِنَ الْحَقَّيْنِ (حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعَبْدِ) مَوْكُولٌ لِمَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ ثُبُوتًا وَإِسْقَاطًا. (1)
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
39 - ذِكْرُ حَقِّ اللَّهِ هُنَا فِيمَا يَقْبَل الإِْسْقَاطَ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ قَبُولِهِ لِلإِْسْقَاطِ مِنْ قِبَل الشَّارِعِ، أَمَّا مِنْ قِبَل الْعِبَادِ فَلاَ يَجُوزُ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
وَحُقُوقُ اللَّهِ: إِمَّا عِبَادَاتٌ مَحْضَةٌ مَالِيَّةٌ كَالزَّكَاةِ، أَوْ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّلاَةِ، أَوْ جَامِعَةٌ لِلْبَدَنِ وَالْمَال كَالْحَجِّ. وَإِمَّا عُقُوبَاتٌ مَحْضَةٌ كَالْحُدُودِ. وَإِمَّا كَفَّارَاتٌ وَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ.
وَيَقُول الْفُقَهَاءُ: إِنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَنْ يَلْحَقَهُ
__________
(1) شرح المنار ص 886، والذخيرة ص 68 نشر وزارة الأوقاف بالكويت، والمنثور 2 / 58 - 64، والتلويح 2 / 151، والفروق 1 / 140، 195.
ضَرَرٌ فِي شَيْءٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَبِل الرُّجُوعَ عَنِ الإِْقْرَارِ بِالزِّنَى فَيَسْقُطَ الْحَدُّ، بِخِلاَفِ حَقِّ الآْدَمِيِّينَ فَإِنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ. (1)
وَبِإِيجَازٍ نَذْكُرُ الأَْسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لإِِسْقَاطِ حَقِّ اللَّهِ كَمَا اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ:
40 - حُقُوقُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَقْبَل الإِْسْقَاطَ فِي الْجُمْلَةِ لِلأَْسْبَابِ الَّتِي يَعْتَبِرُهَا الشَّرْعُ مُؤَدِّيَةً إِلَى ذَلِكَ، تَفَضُّلاً مِنْهُ، وَرَحْمَةً بِالْعِبَادِ، وَرَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ عَنْهُمْ، كَإِسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ عَنِ الْمَجْنُونِ، وَكَإِسْقَاطِ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ بِالنِّسْبَةِ لأَِصْحَابِ الأَْعْذَارِ كَالْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ، لِمَا يَنَالُهُمْ مِنْ مَشَقَّةٍ. وَقَدْ فَصَّل الْفُقَهَاءُ الْمَشَاقَّ وَأَنْوَاعَهَا، وَبَيَّنُوا لِكُل عِبَادَةٍ مَرْتَبَةً مُعَيَّنَةً مِنْ مَشَاقِّهَا الْمُؤَثِّرَةِ فِي إِسْقَاطِهَا، وَأَدْرَجُوا ذَلِكَ تَحْتَ قَاعِدَةِ: الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ، (2) وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . (3)
وَالْحُكْمُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الأَْعْذَارِ يُسَمَّى رُخْصَةً. وَمِنْ أَقْسَامِ الرُّخْصَةِ مَا يُسَمَّى رُخْصَةَ إِسْقَاطٍ، كَإِسْقَاطِ الصَّلاَةِ عَنِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَإِسْقَاطِ الصَّوْمِ عَنِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لاَ يَقْوَى عَلَيْهِ (4) .
__________
(1) شرح المنار ص 886، والمنثور في القواعد 2 / 58، 59، والفروق للقرافي 1 / 140، 195، والتلويح على التوضيح 2 / 151 وما بعدها، والموافقات 2 / 375.
(2) سورة البقرة / 185.
(3) سورة الحج / 78.
(4) الأشباه لابن نجيم ص 75 وما بعدها وص 83، والمنثور في القواعد 1 / 253، والذخيرة ص 339 - 342، والفروق للقرافي 1 / 118، 119، والتلويح 2 / 201.
الصفحة 241