كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

وَصَلاَةُ الْمُسَافِرِ قَصْرًا فَرْضٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَتُعْتَبَرُ رُخْصَةَ إِسْقَاطٍ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ. (1) وَجْهُ الاِسْتِدْلاَل: أَنَّ التَّصَدُّقَ بِمَا لاَ يَحْتَمِل التَّمْلِيكَ إِسْقَاطٌ لاَ يَحْتَمِل الرَّدَّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ يَلْزَمُ طَاعَتُهُ كَوَلِيِّ الْقِصَاصِ، فَهُوَ مِنَ اللَّهِ الَّذِي تَلْزَمُ طَاعَتُهُ أَوْلَى (2) .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّ قَصْرَ الصَّلاَةِ سُنَّةٌ لِلتَّرْفِيهِ عَنِ الْعَبْدِ.
كَذَلِكَ يَسْقُطُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ عَمَّنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ، إِذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُ، بَل إِنَّ الْقَرَافِيَّ يَقُول: يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ ظَنُّ الْفِعْل، لاَ وُقُوعُهُ تَحْقِيقًا (3) .
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إِسْقَاطُ الْحُرْمَةِ فِي تَنَاوُل الْمُحَرَّمِ لِلضَّرُورَةِ، كَأَكْل الْمُضْطَرِّ لِلْمَيْتَةِ، وَإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ لِمَنْ غَصَّ بِهَا، وَإِبَاحَةِ نَظَرِ الْعَوْرَةِ لِلطَّبِيبِ (4) . وَيَسْرِي هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْمُعَامَلاَتِ، فَمِنَ الرُّخْصَةِ مَا سَقَطَ مَعَ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا فِي الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي السَّلَمِ، لِقَوْل الرَّاوِي: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الإِْنْسَانِ، وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ. (5) وَأَنَّ الأَْصْل فِي الْبَيْعِ أَنْ يُلاَقِيَ عَيْنًا،
__________
(1) حديث: " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أخرجه مسلم (1 / 478 - ط الحلبي) .
(2) التلويح 2 / 130، وأشباه ابن نجيم ص 75.
(3) الفروق للقرافي 1 / 117، والمغني 8 / 345، والشرح الكبير بهامش المغني 2 / 101.
(4) التلويح 2 / 129، وأشباه ابن نجيم ص 75 وما بعدها، ومسلم الثبوت 1 / 118، والمنثور في القواعد 2 / 164.
(5) حديث: " نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان " أخرجه أبو داود (3 / 303 - عون المعبود - ط الهند) ، والبيهقي (5 / 267 ط دائرة المعارف العثمانية) ، والترمذي (تحفة الأحوذي 4 / 430، 431 ط السلفية) ، من حديث حكيم بن حزام مرفوعا بلفظ " لا تبع ما ليس عندك ". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. أما الترخيص في السلم فهو مفهوم من أحاديث كثيرة، وليس بهذا اللفظ، منها قوله صلى الله عليه وسلم: " من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 428 ط السلفية) .
وَهَذَا حُكْمٌ مَشْرُوعٌ، لَكِنَّهُ سَقَطَ فِي السَّلَمِ. (1)
وَمِنَ التَّخْفِيفِ: مَشْرُوعِيَّةُ الطَّلاَقِ، لِمَا فِي الْبَقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عِنْدَ التَّنَافُرِ، وَكَذَا مَشْرُوعِيَّةُ الْخُلْعِ وَالاِفْتِدَاءِ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الْكِتَابَةِ لِيَتَخَلَّصَ الْعَبْدُ مِنْ دَوَامِ الرِّقِّ. (2) وَكُل ذَلِكَ مُفَصَّلٌ فِي أَبْوَابِهِ الْخَاصَّةِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَفِي بَابَيِ: الرُّخْصَةِ وَالأَْهْلِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الأُْصُول.

حُقُوقُ الْعِبَادِ
41 - الْمَقْصُودُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ هُنَا، مَا عَدَا الأَْعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَالدُّيُونِ، وَذَلِكَ لِحَقِّ الشُّفْعَةِ وَالْقِصَاصِ وَالْخِيَارِ. وَالأَْصْل أَنَّ كُل مَنْ لَهُ حَقٌّ إِذَا أَسْقَطَهُ - وَهُوَ مِنْ أَهْل الإِْسْقَاطِ، وَالْمَحَل قَابِلٌ لِلسُّقُوطِ - سَقَطَ.
فَالشَّفِيعُ لَهُ حَقُّ الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَإِذَا أَسْقَطَ هَذَا الْحَقَّ وَتَرَكَ الأَْخْذَ بِالشُّفْعَةِ سَقَطَ حَقُّهُ، وَوَلِيُّ الدَّمِ فِي الْقَتْل الْعَمْدِ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ، فَإِذَا عَفَا وَأَسْقَطَ هَذَا الْحَقَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَالْغَانِمُ قَبْل الْقِسْمَةِ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَيَجُوزُ لَهُ إِسْقَاطُ هَذَا الْحَقِّ، وَإِذَا ثَبَتَ حَقُّ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي كَانَ لِمَنْ ثَبَتَ لَهُ مِنْهُمَا هَذَا الْحَقُّ أَنْ يُسْقِطَهُ. وَهَكَذَا مَتَى ثَبَتَ لإِِنْسَانٍ حَقٌّ، وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ، كَانَ
__________
(1) التلويح 2 / 129.
(2) الأشباه لابن نجيم ص 80، 81.

الصفحة 242