كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
مِنْ حَقِّهِ إِسْقَاطُهُ، إِلاَّ لِمَانِعٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. (1)
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لإِِسْقَاطِ الْحُقُوقِ بِدُونِ عِوَضٍ، أَمَّا إِسْقَاطُهَا نَظِيرَ عِوَضٍ فَبَيَانُهُ كَالآْتِي:
42 - فَرَّقَ الْكَثِيرُ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ مَا يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَمَا لاَ يَجُوزُ بِقَاعِدَةٍ هِيَ: أَنَّ الْحَقَّ إِذَا كَانَ مُجَرَّدًا عَنِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا مُتَقَرِّرًا فِي الْمَحَل الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ صَحَّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ.
وَفَرَّقَ الْبَعْضُ الآْخَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِقَاعِدَةٍ أُخْرَى هِيَ: أَنَّ الْحَقَّ إِذَا كَانَ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَتْ ثَبَتَ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ فَيَكُونُ ثَابِتًا لَهُ أَصَالَةً، فَيَصِحُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ.
وَمَنْ يَرْجِعُ إِلَى الأَْمْثِلَةِ الَّتِي أَوْرَدُوهَا يَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ لاَ يَكَادُ يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ، فَفِي الأَْشْبَاهِ لاِبْنِ نُجَيْمٍ (2) : الْحُقُوقُ الْمُجَرَّدَةُ لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا، كَحَقِّ الشُّفْعَةِ، فَلَوْ صَالَحَ عَنْهُ بِمَالٍ بَطَلَتْ وَرَجَعَ بِهِ، وَلَوْ صَالَحَ الْمُخَيَّرَةَ بِمَالٍ لِتَخْتَارَهُ بَطَل وَلاَ شَيْءَ لَهَا، وَلَوْ صَالَحَ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ بِمَالٍ لِتَتْرُكَ نَوْبَتَهَا لَمْ يَلْزَمْ، وَلاَ شَيْءَ لَهَا. هَكَذَا ذَكَرُوهُ فِي الشُّفْعَةِ. وَخَرَجَ عَنْهَا حَقُّ الْقِصَاصِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ، وَحَقُّ الرِّقِّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا. وَالْكَفِيل بِالنَّفْسِ إِذَا صَالَحَ الْمَكْفُول لَهُ بِمَالٍ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَجِبْ، وَفِي بُطْلاَنِهَا رِوَايَتَانِ.
__________
(1) البدائع 5 / 297، 7 / 247 " وشرح منتهى الإرادات 2 / 260، وأشباه ابن نجيم ص 316، والفروق للقرافي 1 / 195 - 197، والخرشي 6 / 99، وقليوبي 4 / 325، والمنثور في القواعد 2 / 4.
(2) الأشباه لابن نجيم ص 212.
وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ (1) : لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنِ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ، ثُمَّ أَوْرَدَ نَفْسَ الأَْمْثِلَةِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الأَْشْبَاهِ، ثُمَّ قَال: وَعَدَمُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ وَحَقِّ الْقَسْمِ لِلزَّوْجَةِ وَحَقِّ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ لِلْمُخَيَّرَةِ إِنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الشَّفِيعِ وَالْمَرْأَةِ، وَمَا ثَبَتَ لِذَلِكَ لاَ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ، لأَِنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَمَّا رَضِيَ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. أَمَّا حَقُّ الْقِصَاصِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ وَحَقُّ الرِّقِّ فَقَدْ ثَبَتَ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، فَهُوَ ثَابِتٌ لَهُ أَصَالَةً، لاَ عَلَى وَجْهِ رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِهِ. وَسَارَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، هُوَ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي الْمَحَل أَصَالَةً. (2)
أَمَّا الْجُمْهُورُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) فَلَمْ نَعْثُرْ لَهُمْ عَلَى قَاعِدَةٍ يُمْكِنُ الاِسْتِنَادُ إِلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ الْحُقُوقِ الَّتِي يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا وَاَلَّتِي لاَ يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَسَائِل فِي أَمَاكِنِهَا مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، كَالْحَضَانَةِ وَالشُّفْعَةِ وَالْخِيَارِ فِي الْعُقُودِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ سَنَكْتَفِي بِذِكْرِ بَعْضِ الأَْمْثِلَةِ. وَالْجُمْهُورُ أَحْيَانًا مَعَ الْحَنَفِيَّةِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِل، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ فِي سَبَبِ الاِعْتِيَاضِ، وَأَحْيَانًا يَخْتَلِفُونَ عَنْهُمْ. وَسَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنَ الأَْمْثِلَةِ.
أ - الاِعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ، هُوَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا سَبَقَ، وَيُوَافِقُهُمْ فِي الْحُكْمِ وَفِي الْعِلَّةِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. فِي حِينِ أَجَازَ الاِعْتِيَاضَ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 14، 15.
(2) البدائع 6 / 49، 5 / 21.
الصفحة 243