ثَبَتَتْ لِلْعَبْدِ بِمُقْتَضَى الشَّرِيعَةِ كَحَقِّ الْوِلاَيَةِ عَلَى الصَّغِيرَةِ، حَقُّ اللَّهِ هَذَا لاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ إِسْقَاطُهُ، لأَِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ، بَل إِنَّ مَنْ حَاوَل ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقَاتَل، كَمَا فَعَل أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَانِعِي الزَّكَاةِ. (1) حَتَّى إِنَّ السُّنَنَ الَّتِي فِيهَا إِظْهَارُ الدِّينِ، وَتُعْتَبَرُ مِنْ شَعَائِرِهِ، كَالأَْذَانِ، لَوِ اتَّفَقَ أَهْل بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ وَجَبَ قِتَالُهُمْ. (2)
46 - كَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ التَّحَيُّل عَلَى إِسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ، كَمَنْ دَخَل عَلَيْهِ وَقْتُ صَلاَةٍ، فَشَرِبَ خَمْرًا أَوْ دَوَاءً مُنَوِّمًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا - وَهُوَ فَاقِدٌ لِعَقْلِهِ - كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَكَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الْحَجِّ، فَوَهَبَهُ كَيْلاَ يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ (3) .
47 - وَتَحْرُمُ الشَّفَاعَةُ لإِِسْقَاطِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَفِي السَّرِقَةِ كَذَلِكَ بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ، لأَِنَّ الْحَدَّ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: أُتِيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَارِقٍ قَدْ سَرَقَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ، فَقِيل: يَا رَسُول اللَّهِ مَا كُنَّا نَرَاكَ تَبْلُغُ بِهِ هَذَا، قَال: لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لأََقَمْتُ عَلَيْهَا الْحَدَّ. (4) وَرَوَى عُرْوَةُ قَال: شَفَعَ
__________
(1) المغني 2 / 572، والأثر أخرجه البخاري ضمن حديث طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر رضي عنه قال: " والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. . . " (فتح الباري 3 / 262 ط السلفية) .
(2) الاختيار 1 / 42، ومنح الجليل 1 / 117.
(3) الموافقات 2 / 379 و 4 / 201، والشرح الصغير 1 / 600 ط دار المعارف، والمغني 2 / 534 ط المنار.
(4) حديث " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، ولفظ البخاري: " أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع (فتح الباري 12 / 87 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 3 / 1315 ط عيسى الحلبي) .
الزُّبَيْرُ فِي سَارِقٍ فَقِيل: حَتَّى يَأْتِيَ السُّلْطَانُ، قَال: إِذَا بَلَغَ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفَّعَ (1) . وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَانَ، حِينَ تَصَدَّقَ عَلَى السَّارِقِ: فَهَلاَّ قَبْل أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ. (2)
__________
(1) الأثر عن الزبير " إذا بلغ السلطان فلعن الله الشافع والمشفع " أخرجه مالك في الموطأ، قال ابن حجر في الفتح: وهو منقطع من وقفه. وقال عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: وإسناد رجاله ثقات إلا أنه مرسل. وأخرجه الطبراني في الأوسط والصغير، قال الهيثمي: وفيه أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري ضعفه أبو حاتم وغيره، ووثقه الحاكم، وعبد الرحمن بن أبي الزناد ضيف. قال الحافظ ابن حجر: وهو عند ابن أبي شيبة بسند حسن عن الزبير موقوفا، وسند آخر حسن عن علي نحوه كذلك. وأخرجه الدارقطني من حديث الزبير موصولا مرفوعا بلفظ: " اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي، فإذا وصل الوالي فعفا، فلا عفا الله عنه ". قال الحافظ: والموقوف هو المعتمد، (تنوير الحوالك 3 / 49، 50 نشر مكتبة المشهد الحسيني، وفتح الباري 12 / 87، 88 ط السلفية، ومجمع الزمان 6 / 259 ط مكتبة القدسي 1353 هـ) .
(2) المهذب 2 / 283، 284، والمغني 8 / 282 ط الرياض. وحديث عائشة: " فهلا قبل أن تأتيني به " أخرجه مالك (الموطأ بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 834، 835 ط عيسى الحلبي 1370 هـ) وأحمد (6 / 465 - ط الميمنية) وأبو داود (عون المعبود 4 / 240، 241 ط الهند) ضمن قصة من حديث صفوان بن أمية. قال الحافظ ابن عبد البر: رواه جمهور أصحاب مالك مرسلا. ورواه أبو عاصم النبيل وحده عن مالك عن الزهري عن صفوان بن عبد الله عن جده فوصله. قال ال رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده من غير وجه، قال عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: وإسناده حسن (جامع الأصول 3 / 600 - 602 نشر مكتبة الحلواني) .