كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
الْحَقَّ قَبْل ذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بِالْفِعْل، فَلاَ يُتَصَوَّرُ وُرُودُ الإِْسْقَاطِ عَلَيْهِ، فَإِسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَلاَ جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ لاَ يُعْتَبَرُ إِسْقَاطًا، وَإِنَّمَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ لاَ يَلْزَمُ مِنْهُ الإِْسْقَاطُ مُسْتَقْبَلاً، كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْل الْبَيْعِ، وَإِسْقَاطِ الْحَاضِنَةِ حَقَّهَا فِي الْحَضَانَةِ قَبْل وُجُوبِهَا، فَكُل هَذَا لاَ يُعْتَبَرُ إِسْقَاطًا، وَإِنَّمَا هُوَ امْتِنَاعٌ عَنِ الْحَقِّ فِي الْمُسْتَقْبَل، وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَالْعَوْدُ إِلَى الْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ.
60 - أَمَّا إِذَا لَمْ يَجِبِ الْحَقُّ، وَلَكِنْ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ، فَفِي صِحَّةِ الإِْسْقَاطِ حِينَئِذٍ اخْتِلاَفُ الْفُقَهَاءِ:
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَصِحُّ الإِْسْقَاطُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَقَبْل الْوُجُوبِ.
فَقَدْ جَاءَ فِي بَدَائِعِ الصَّنَائِعِ (1) : الإِْبْرَاءُ عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ قَبْل الْوُجُوبِ جَائِزٌ، كَالإِْبْرَاءِ عَنِ الأُْجْرَةِ قَبْل مُضِيِّ مُدَّةِ الإِْجَارَةِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (2) : الإِْبْرَاءُ عَنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ جَائِزٌ.
وَفِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُغْنِي: إِنْ عَفَا مَجْرُوحٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَنْ قَوَدِ نَفْسِهِ أَوْ دِيَتِهَا صَحَّ عَفْوُهُ، لإِِسْقَاطِهِ حَقَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ. (3)
وَفِي فَتْحِ الْعَلِيِّ الْمَالِكِ (4) وَرَدَتْ عِدَّةُ مَسَائِل:
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 14، 4 / 29، 512، والدسوقي 2 / 316.
(2) تكملة فتح القدير 8 / 295 ط دار إحياء التراث، والهداية 4 / 8، وحاشية ابن عابدين 2 / 566.
(3) شرح منتهى الإرادات 3 / 80، 290، 428، والمغني 7 / 750، 8 / 712 - 714، 9 / 30، وكشاف القناع 5 / 546.
(4) فتح العلي المالك 1 / 322، 323، 366.
كَإِبْرَاءِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا مِنَ الصَّدَاقِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ قَبْل الْبِنَاءِ وَقَبْل أَنْ يَفْرِضَ لَهَا، وَإِسْقَاطِ الْمَرْأَةِ عَنْ زَوْجِهَا نَفَقَةَ الْمُسْتَقْبَل، وَكَعَفْوِ الْمَجْرُوحِ عَمَّا يَئُول إِلَيْهِ الْجُرْحُ. ثُمَّ قَال نَقْلاً عَنِ ابْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ: وَبَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِل أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ، فَهَل يَلْزَمُ الإِْسْقَاطُ فِي ذَلِكَ، لأَِنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ وُجِدَ أَوْ لاَ يَلْزَمُ لأَِنَّهَا لَمْ تَجِبْ؟ قَوْلاَنِ حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ
وَفِي الدُّسُوقِيِّ (1) ذَكَرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ هُوَ لُزُومُ الإِْسْقَاطِ لِجَرَيَانِ السَّبَبِ. وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْقَوْل الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يَصِحُّ إِسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْل وُجُوبِهِ، وَإِنْ جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ.
جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: (2) لَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَنِ الضَّمَانِ لَمْ يُبَرَّأْ فِي الأَْظْهَرِ، إِذْ هُوَ إِبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُهُ، وَالْقَوْل الثَّانِي: يُبَرَّأُ لِوُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ.
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ صُورَةً يَصِحُّ فِيهَا الإِْسْقَاطُ قَبْل الْوُجُوبِ وَهِيَ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلاَ إِذْنٍ، وَأَبْرَأَهُ الْمَالِكُ، وَرَضِيَ بِبَقَائِهَا، فَإِنَّهُ يُبَرَّأُ مِمَّا وَقَعَ فِيهَا. (3)
إِسْقَاطُ الْمَجْهُول:
61 - إِسْقَاطُ الْحَقِّ الْمَعْلُومِ لاَ خِلاَفَ فِيهِ، وَالْخِلاَفُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَجْهُول، كَالدَّيْنِ، وَالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ، وَحِصَّةٍ فِي تَرِكَةٍ، وَمَا مَاثَل ذَلِكَ. فَهَذَا النَّوْعُ مَحَل
__________
(1) الدسوقي 2 / 316.
(2) نهاية المحتاج 4 / 78.
(3) الأشباه للسيوطي ص 337، وقليوبي 2 / 211، والمنثور في القواعد 1 / 86.
الصفحة 251