كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

وَيُسْقِطُ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ، لِحُصُول الْحَقِّ الثَّانِي لِجِهَةِ الْحَقِّ السَّاقِطِ.
وَأَمَّا حَقُّ الآْدَمِيِّينَ فَلِجِهَةِ الآْدَمِيِّينَ، وَالإِْسْلاَمُ لَيْسَ حَقًّا لَهُمْ، بَل لِجِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَنَاسَبَ أَلاَّ يَسْقُطَ حَقُّهُمْ بِتَحْصِيل حَقِّ غَيْرِهِمْ.
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ جَوَادٌ، تُنَاسِبُ رَحْمَتَهُ الْمُسَامَحَةُ، وَالْعَبْدُ بَخِيلٌ ضَعِيفٌ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ التَّمَسُّكُ بِحَقِّهِ، فَسَقَطَتْ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا، وَإِنْ رَضِيَ بِهَا، كَالنُّذُورِ وَالأَْيْمَانِ، أَوْ لَمْ يَرْضَ بِهَا كَالصَّلَوَاتِ. وَلاَ يَسْقُطُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ إِلاَّ مَا تَقَدَّمَ الرِّضَى بِهِ، فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ. (1)

الآْثَارُ اللاَّحِقَةُ لِدُخُول الإِْسْلاَمِ:
8 - إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَصْبَحَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ.
فَتَلْزَمُهُ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ، كَالْعِبَادَاتِ وَالْجِهَادِ. إِلَخْ. وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الإِْسْلاَمِ، كَإِبَاحَةِ تَوَلِّي الْوِلاَيَاتِ الْعَامَّةِ كَالإِْمَامَةِ، وَالْقَضَاءِ، وَالْوِلاَيَاتِ الْخَاصَّةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. . . إِلَخْ

الأَْثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الإِْسْلاَمِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْعِبَادَاتِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهَا:
9 - الْكَافِرُ فِي حَال كُفْرِهِ هَل هُوَ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَمُكَلَّفٌ بِهَا أَمْ لاَ؟ قَال النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَالْمَنْهِيِّ عَنْهَا، لِيَزْدَادَ عَذَابُهُمْ فِي الآْخِرَةِ. (2)
__________
(1) الفروق 3 / 184 - 185 ط دار المعرفة.
(2) شرح مسلم بهامش القسطلاني 1 / 279.
وَيَسْتَوْفِي الْمَسْأَلَةَ عُلَمَاءُ الأُْصُول فِي مَبَاحِثِ التَّكْلِيفِ، فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهَا.
فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يَعْصِمُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَأَوْلاَدَهُ الصِّغَارَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ؛ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ (1) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلاَّ بِحَقِّهَا، لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ (2) فَتَثْبُتُ هَذِهِ الْعِصْمَةُ لِلنَّفْسِ مُبَاشَرَةً، وَلِلْمَال تَبَعًا لِعِصْمَةِ النَّفْسِ، وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ الَّتِي كَانَتْ مَمْنُوعَةً عَنْهُ بِالْكُفْرِ. وَيَحْصُل التَّوَارُثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَرِثُهُمْ إِنْ مَاتُوا، وَيَرِثُونَهُ كَذَلِكَ. لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ (3)
__________
(1) حديث: " أمرت أن أقاتل. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعا واللفظ للبخاري (فتح الباري 3 / 262 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 15، 52 ط عيسى الحلبي 1374 هـ) .
(2)) حديث: " فإذا فعلوا ذلك. . . " أخرجه الترمذي وأبو داود بهذا اللفظ من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما مرفوعا، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وأخرجه البخاري بهذا المعنى تعليقا، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما (تحفة الأحوذي 7 / 339، 340 نشر المكتبة السلفية، وسنن أبي داود 3 / 101، 102 ط استنابول، وفتح الباري 1 / 497 ط السلفية) .
(3)) حديث " لا يرث المسلم الكافر. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما مرفوعا (فتح الباري 12 / 50 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 3 / 1233 ط عيسى الحلبي 1375 هـ) .

الصفحة 263