كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
الْمُتَمَكِّنِ كَالْخَائِفِ وَالشَّرِقِ (1) وَمَنْ عَاجَلَتْهُ الْمَنِيَّةُ، وَكُل مَنْ قَامَ بِهِ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ النُّطْقَ، فَنُصَدِّقُ عُذْرَهُ إِنْ تَمَسَّكَ بِهِ بَعْدَ زَوَال الْمَانِعِ. وَلاَ لُزُومَ لأَِنْ تَكُونَ صِيغَتُهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُحْسِنُهَا.
وَأَمَّا مَنْ يَرَى اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرَبِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ يُقِرَّ بِعُمُومِ رِسَالَتِهِ.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُ أَصَالَةً، أَيْ مَنْ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِوَالِدَيْهِ، وَمَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَتَيْنِ طِوَال عُمُرِهِ. وَأَوْجَبَهَا عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَلَوْ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ.
17 - وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ كَافٍ فِي صِحَّةِ مُطْلَقِ الإِْيمَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ.
وَأَمَّا الإِْقْرَارُ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لإِِجْرَاءِ الأَْحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَلاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ إِلاَّ إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ فِعْلٌ يَدُل عَلَى كُفْرِهِ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ. (2) إِذَنْ فَحُكْمُ الإِْسْلاَمِ فِي الظَّاهِرِ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا لِتُقَامَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ فِيمَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. (3)
وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ قَال: قُلْتُ يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّ أُمِّي أَوْصَتْ أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، وَعِنْدِي جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ نُوبِيَّةٌ أَفَأَعْتِقُهَا؟ قَال: اُدْعُهَا، فَدَعَوْتُهَا
__________
(1) الشرق: بفتحتين الشجا والغصة.
(2) القسطلاني على صحيح البخاري 1 / 103، والإحياء للغزالي 1 / 116 وما بعدها.
(3) الشرح الكبير على الجوهرة للشيخ اللقاني مخطوط - وشرح ابن حجر على الأربعين عند الكلام على الحديث الثاني " حديث جبريل ".
فَجَاءَتْ فَقَال: مَنْ رَبُّكِ؟ قَالَتِ: اللَّهُ، قَال: فَمَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُول اللَّهِ، قَال: اعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ. (1)
وَقَدْ قَال الإِْمَامُ النَّوَوِيُّ (2) : اتَّفَقَ أَهْل السُّنَّةِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْل الْقِبْلَةِ وَلاَ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مَنِ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ دِينَ الإِْسْلاَمِ اعْتِقَادًا جَازِمًا خَالِيًا مِنَ الشُّكُوكِ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ.
18 - فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل الْقِبْلَةِ إِلاَّ إِذَا عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ لِخَلَلٍ فِي لِسَانِهِ، أَوْ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِمُعَاجَلَةِ الْمَنِيَّةِ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا، أَمَّا إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فَلاَ يُشْتَرَطُ مَعَهُمَا أَنْ يَقُول: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُل دِينٍ خَالَفَ الإِْسْلاَمَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَرَبِ، فَإِنَّهُ لاَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ إِلاَّ بِأَنْ يُسْتَبْرَأَ. أَمَّا إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلَمْ يَقُل: مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ، فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
__________
(1) حديث: الشريد بن سويد الثقفي. أخرجه أبو داود واللفظ له والنسائي من حديث الشريد، قال أبو داود: خالد بن عبد الله أرسله، لم يذكر الشريد، قال عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: وإسناده حسن (عون المعبود 3 / 227 ط الهند، وسنن النسائي 6 / 252 نشر المكتبة التجارية، وجامع الأصول بتحقيق عبد القادر الأرناؤوط 1 / 228، 229 نشر مكتبة الحلواني) .
(2) شرح مسلم 1 / 201. تنبيه: " على أن من آمن بقلبه ولم ينطق بلسانه مع قدرته كان مخلدا في النار. . إلخ. معترض بأنه لا إجماع على ذلك، وأنه مؤمن عاص من أقوال المذاهب الأربعة، على أن بعض محققي الحنفية يرى أن الإقرار باللسان إنما هو شرط لإجراء أحكام الدنيا فحسب " انتهى من شرح ابن حجر الهيثمي على الحديث الثاني - من الأربعين النووية.
الصفحة 267