كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

يَسْأَل اللَّهَ لَهُ. فَهُوَ مُتَوَسِّلٌ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ فِي حَيَاةِ الشَّفِيعِ، وَلاَ يُعْلَمُ فِيهِ خِلاَفٌ. (1)
فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْل الْجَنَّةِ، كُل ضَعِيفٍ مُسْتَضْعَفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأََبَرَّهُ (2) قَال الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى اللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا لأََوْقَعَ مَطْلُوبَهُ، فَيَبَرُّ بِقَسَمِهِ إِكْرَامًا لَهُ، لِعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ. (3)
فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ خَصَّهُ اللَّهُ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسْأَل فَيَدْعُوَ لِلْمُسْتَغِيثِ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا فِي آثَارٍ كَثِيرَةٍ عَنِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ.

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: اسْتِغَاثَةٌ فِي سُؤَال اللَّهِ:
13 - وَهِيَ أَنْ يَسْتَغِيثَ الإِْنْسَانُ بِغَيْرِهِ فِي سُؤَال اللَّهِ لَهُ تَفْرِيجَ الْكَرْبِ، وَلاَ يَسْأَل اللَّهَ هُوَ لِنَفْسِهِ. وَهَذَا جَائِزٌ لاَ يُعْلَمُ فِيهِ خِلاَفٌ.
وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَل تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ (4) أَيْ بِدُعَائِهِمْ، وَصَلاَتِهِمْ،
__________
(1) الاستغاثة، الرد على البكري ص 123.
(2) حديث " ألا أخبركم بأهل الجنة. . . " أخرجه البخاري ومسلم والترمذي مرفوعا من حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه (جامع الأصول في أحاديث الرسول 10 / 547 نشر مكتبة الحلواني 1392 هـ) .
(3) جلاء العيون ص 443.
(4) حديث " هل تنصرون وترزقون. . . . " أخرجه البخاري من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص، ولم يصرح مصعب بسماعه من سعد فيما رواه البخاري، فهو مرسل عنده. قال ابن حجر: إن صورة هذا السياق مرسل لأن مصعبا لم يدرك زمان القول، لكن هو محمول على أنه سمع ذلك من أبيه، وقد وقع التصريح من مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي وغيره (فيض القدير 6 / وفتح الباري 6 / 88، 89 ط السلفية) .
وَاسْتِغْفَارِهِمْ.
وَمِنْ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ (1) . أَيْ يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ. فَالاِسْتِنْصَارُ وَالاِسْتِرْزَاقُ يَكُونُ بِالْمُؤْمِنِينَ بِدُعَائِهِمْ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَل مِنْهُمْ. لَكِنَّ دُعَاءَهُمْ وَصَلاَتَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الأَْسْبَابِ، وَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَنْصِرِ بِهِ وَالْمُسْتَرْزِقِ بِهِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأََبَرَّهُ. مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ (2) .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يُسْتَغْفَرَ لَكَ فَافْعَل (3) وَقَوْل الرَّسُول
__________
(1) حديث " إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين " أخرجه الطبراني من حديث أمية بن خالد بن عبد الله بن أسيد، وفي رواية " يستنصر بصعاليك المسلمين " قال الهيثمي: ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10 / 262 نشر مكتبة القدسي 1353 هـ) .
(2) حديث " إن من عباد الله من لو أقسم على الله. . . . " أخرجه الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا بلفظ " كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك " قال الترمذي: هذا حديث صحيح حسن من هذا الوجه (سنن الترم وجامع الأصول 9 / 92 نشر مكتبة الحلواني)
(3) حديث أويس القرني. أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب مرفوعا بلفظ " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرئ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " (مختصر صحيح وجامع الأصول 9 / 231 - 232 نشر مكتبة الحلواني 1392 هـ) .

الصفحة 27