كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

الصَّلاَةُ (1) وَقَوْلُهُ: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَل قِبْلَتَنَا، وَأَكَل ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ (2) . فَجَعَلَهَا حَدًّا بَيْنَ الإِْيمَانِ وَالْكُفْرِ، فَمَنْ صَلَّى فَقَدْ دَخَل فِي حَدِّ الإِْسْلاَمِ، وَلأَِنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِينَ فَالإِْتْيَانُ بِهَا إِسْلاَمٌ، كَالشَّهَادَتَيْنِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ بِالصَّلاَةِ إِلاَّ إِنْ صَلاَّهَا كَامِلَةً فِي الْوَقْتِ مَأْمُومًا فِي جَمَاعَةٍ، إِلاَّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يَرَى أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ مُسْتَقْبِل الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِ الْكَافِرِ بِمُجَرَّدِ صَلاَتِهِ، لأَِنَّ الصَّلاَةَ مِنْ فُرُوعِ الإِْسْلاَمِ، فَلَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا بِفِعْلِهَا، كَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُول اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا (3) . وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنْ
__________
(1) حديث: " العهد. . . " أخرجه الترمذي والنسائي من حديث بريدة رضي الله عنه مرفوعا، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال المباركفوري: وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال: صحيح، ولا نعرف له علة (تحفة الأحوذي 7 / 369 ط السلفية، وسنن النسائي 1 / 231 نشر المكتبة التجارية، وجامع الأصول 5 / 203 نشر مكتبة الحلواني، وشرح السنة للبغوي 2 / 180 نشر المكتب الإسلامي) .
(2) حديث: " من صلى صلاتنا. . . " أخرجه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا (فتح الباري 1 / 496 ط السلفية) .
(3) حديث: " أمرت أن أقاتل. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام " وفي رواية مسلم " إلا بحقها وحسابهم على الله ". (فتح الباري 1 / 75 ط السلفية، وصحيح مسلم 1 / 53 ط استانبول، وجامع الأصول 1 / 245 نشر مكتبة الحلواني) .
صَلَّى فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ، لأَِنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الاِسْتِتَارَ بِالصَّلاَةِ وَإِخْفَاءَ دِينِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، لأَِنَّهُ لاَ تُهْمَةَ فِي حَقِّهِ (1) . وَالدَّلِيل لِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَل قِبْلَتَنَا، وَأَكَل ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلاَ تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ (2) . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُل يَتَعَاهَدُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِْيمَانِ (3) فَإِنَّ اللَّهَ يَقُول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (4) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ (5) : مَنْ صَلَّى حَكَمْنَا بِإِسْلاَمِهِ ظَاهِرًا، أَمَّا صَلاَتُهُ فِي نَفْسِهِ فَأَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
__________
(1) بدائع الصنائع 4 / 103، والمغني 2 / 201 والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 325.
(2) حديث: " من صلى صلاتنا. . . " سبق تخريجه (ف / 27) .
(3) حديث: " إذا رأيتم الرجل يتعاهد المساجد. . . . " أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم وابن حبان والدارمي من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، قال الحاكم: هذه ترجمة للمصريين، لم يختلفوا في صحتها وصدق رواتها، غير أن شيخي الصحيح البخاري ومسلم لم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: في إسناده دراج وهو كثير المناكير (تحفة الأحوذي 1 / 365 - 366 ط السلفية، وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 263 ط عيسى الحلبي 1372 هـ، ومسند أحمد بن حنبل 3 / 68 ط الميمنية، والمستدرك 1 / 212، 213 نشر دار الكتاب العربي، وسنن الدارمي 1 / 278 ط مطبعة الاعتدال 1349 هـ) .
(4) سورة التوبة / 18.
(5) المغني 2 / 201.

الصفحة 272