كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
لَهُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، (1) وَلِمَا رَوَى جَابِرٌ مِنْ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ (2) وَبِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِذَا قُسِمَتِ الأَْرْضُ وَحُدَّتْ فَلاَ شُفْعَةَ فِيهَا. (3)
وَمُقْتَضَى الأَْصْل أَنْ لاَ يَثْبُتَ حَقُّ الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَصْلاً، لَكِنَّهَا ثَبَتَتْ فِيمَا لاَ يُقْسَمُ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ غَيْرِ مَعْقُول الْمَعْنَى، فَبَقِيَ الأَْمْرُ فِي الْمَقْسُومِ عَلَى الأَْصْل، أَوْ ثَبَتَ مَعْلُولاً بِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ وَهُوَ ضَرَرُ الْقِسْمَةِ. (4)
وَمَا اسْتَدَل بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ أَحَادِيثَ، فَإِنَّ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالاً. قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: الثَّابِتُ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ جَابِرٍ - السَّابِقُ ذِكْرُهُ - وَمَا عَدَاهُ مِنَ الأَْحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدَل بِهَا الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ مَعَهُمْ، كَالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو رَافِعٍ الْجَارُ أَحَقُّ
__________
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3 / 473 - 474، ومنهاج الطالبين وحاشية قليوبي 3 / 43 - 44، والمهذب 1 / 384، والمغني 5 / 308 - 309، ومواهب الجليل والتاج والإكليل 5 / 310 - 311.
(2) حديث " الشفعة فيما لم يقسم. . . . " أخرجه البخاري من حديث جابر رضي الله عنه بلفظ: " قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " (فتح الباري 4 / 436 ط السلفية) .
(3) حديث: " إذا قسمت الأرض. . . " أخرجه مالك عن سعيد بن المسيب بلفظ: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء، فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة فيه ". (الموطأ 2 / 713 ط الحلبي) .
(4) البدائع 5 / 4.
بِسَقَبِهِ، (1) وَالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ سَمُرَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ. (2) فَإِنَّ فِيهَا مَقَالاً. عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَل أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَارِ الشَّرِيكَ، فَإِنَّهُ جَارٌ أَيْضًا. فَكُل هَذَا أَوْرَثَ شُبْهَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لأَِنَّ مَا اسْتَدَل بِهِ الْحَنَفِيَّةُ غَيْرُ قَوِيٍّ، وَجَاءَ عَلَى خِلاَفِ الأَْصْل، وَلِذَا لَمْ يُثْبِتُوا الشُّفْعَةَ بِسَبَبِ الْجِوَارِ وَالشَّرِكَةِ فِي مَرَافِقِ الْعَقَارِ، وَقَصَرُوهَا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْعَقَارِ نَفْسِهِ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الاِشْتِبَاهِ: لَوْ قَضَى قَاضٍ بِهَا لاَ يُفْسَخُ قَضَاؤُهُ. (3)
وَمِنْ الاِشْتِبَاهِ النَّاجِمِ عَنْ وُجُودِ دَلِيلٍ غَيْرِ قَوِيٍّ عَلَى خِلاَفِ الأَْصْل: مَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ دَلاَلَةَ الْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّصْ قَطْعِيُّهُ، فَيَدُل عَلَى جَمِيعِ الأَْفْرَادِ الَّتِي يَصْدُقُ عَلَيْهَا مَعْنَاهُ. فَإِذَا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ كَانَتِ دَلاَلَتُهُ ظَنِّيَّةً.
بَيْنَمَا يَرَى جُمْهُورُ الأُْصُولِيِّينَ (4) أَنَّ دَلاَلَةَ الْعَامِّ فِي
__________
(1) حديث " الجار أحق بسقبه " أخرجه البخاري (4 / 437 - الفتح ط السلفية) وأبو داود (3 / 786 ط عزت عبيد دعاس) .
(2) حديث " جار الدار أحق بالدار " أخرجه أبو داود والترمذي، واللفظ له، من حديث سمرة مرفوعا، وقال الترمذي: حديث سمرة حسن صحيح، وصححه ابن حبان من حديث أنس رضي الله عنه، وله شاهد من حديث الشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنه. (عون المعبود 3 / 307 ط الهند، وتحفة الأحوذي 4 / 609، 610 نشر السلفية، وموارد الظمآن ص 281 ط دار الكتب العلمية، ومسند أحمد بن حنبل 4 / 388 نشر المكتب الإسلامي) .
(3) المغني 5 / 309 - 310.
(4) الإحكام للآمدي 3 / 180، وكشف الأسرار 1 / 307. والعام: هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له دفعة واحدة بحسب وضع واحد، وصيغته وضعت للاستغراق والشمول ما لم يصرفها صارف. (انظر الأسنوي 1 / 282، ومسلم الثبوت 1 / 255، وإرشاد الفحول ص 108، وكشف الأسرار 1 / 291 - 306) .
الصفحة 298