كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
اشْتِغَال الذِّمَّةِ
التَّعْرِيفُ
1 - الاِشْتِغَال فِي اللُّغَةِ: التَّلَهِّي بِشَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ، وَهُوَ ضِدُّ الْفَرَاغِ، (1) وَالذِّمَّةُ فِي اللُّغَةِ: الْعَهْدُ وَالضَّمَانُ وَالأَْمَانُ. (2)
وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. (3)
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِلاِشْتِغَال عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
أَمَّا الذِّمَّةُ فَهِيَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ: وَصْفٌ يَصِيرُ الشَّخْصُ بِهِ أَهْلاً لِلإِْيجَابِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَهُوَ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ وَالأُْصُولِيُّونَ بِأَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ. وَبَعْضُهُمْ عَرَّفَهَا بِأَنَّهَا: نَفْسٌ لَهَا عَهْدٌ، فَإِنَّ الإِْنْسَانَ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ. (4) فَهِيَ مَحَل الْوُجُوبِ لَهَا وَعَلَيْهَا. (5)
__________
(1) المصباح المنير وتاج العروس مادة: (شغل) ، ومتن اللغة 3 / 339 وتاج العروس 9 / 391.
(2) المصباح المنير مادة: (شغل) .
(3) حديث: " وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا (فتح الباري 6 / 279، 280 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 994 - 998 ط عيسى الحلبي) .
(4) التعريفات للجرجاني ص 95 ط الحلبي.
(5) كشف الأسرار لأصول البزدوي 4 / 237، والتوضيح والتلويح 2 / 162، وكشاف القناع 2 / 117.
وَلَعَل تَسْمِيَةَ النَّفْسِ بِالذِّمَّةِ مِنْ قَبِيل تَسْمِيَةِ الْمَحَل (أَيِ النَّفْسِ) بِالْحَال (أَيِ الذِّمَّةِ) .
فَمَعْنَى اشْتِغَال الذِّمَّةِ بِالشَّيْءِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ وُجُوبُ الشَّيْءِ لَهَا أَوْ عَلَيْهَا، وَمُقَابِلُهُ فَرَاغُ الذِّمَّةِ وَبَرَاءَتُهَا، كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْحَوَالَةَ لاَ تَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِفَرَاغِ ذِمَّةِ الأَْصِيل، وَالْكَفَالَةُ لاَ تَتَحَقَّقُ مَعَ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ. (1)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ:
2 - هِيَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ وَضِدُّ الاِشْتِغَال، وَهِيَ أَصْلٌ مِنَ الأُْصُول الْمُسَلَّمَةِ الْفِقْهِيَّةِ. يُحَال عَلَيْهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ خِلاَفُهُ، وَالْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ تَقُول: " الأَْصْل بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ " (2) .
وَلِذَا لَمْ يُقْبَل شَغْلُهَا إِلاَّ بِدَلِيلٍ، وَمَوْضِعُ تَفْصِيلِهِ مُصْطَلَحُ (بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ) .
ب - تَفْرِيغُ الذِّمَّةِ:
3 - وَمَعْنَاهُ جَعْل الذِّمَّةِ فَارِغَةً، وَهُوَ يَحْصُل بِالأَْدَاءِ مُطْلَقًا، أَوْ بِالإِْبْرَاءِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الَّتِي تَقْبَل الإِْبْرَاءَ، كَمَا يَحْصُل بِالْمَوْتِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَيَحْصُل أَيْضًا بِالْكَفَالَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ.
وَعَبَّرَ الأُْصُولِيُّونَ عَنْ وُجُوبِ تَفْرِيغِ الذِّمَّةِ بِوُجُوبِ الأَْدَاءِ، كَمَا يَقُول صَاحِبُ التَّوْضِيحِ: إِنَّ وُجُوبَ الأَْدَاءِ هُوَ لُزُومُ تَفْرِيغِ الذِّمَّةِ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهَا. (3)
__________
(1) الزيلعي 4 / 171.
(2) الأشباه والنظائر لابن نجيم 1 / 23.
(3) الهداية مع الفتح 5 / 418، والتوضيح والتلويح 1 / 203، وكشف الأسرار لأصول البزدوي 1 / 222.
الصفحة 312