كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

الاِسْتِغْفَارُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ، وَسَتَأْتِي صِلَتُهُ بِهَذِهِ الأَْلْفَاظِ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّوْبَةُ:
2 - الاِسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رُجُوعٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، كَذَلِكَ يَشْتَرِكَانِ فِي طَلَبِ إِزَالَةِ مَا لاَ يَنْبَغِي، إِلاَّ أَنَّ الاِسْتِغْفَارَ طَلَبٌ مِنَ اللَّهِ لإِِزَالَتِهِ. وَالتَّوْبَةُ سَعْيٌ مِنَ الإِْنْسَانِ فِي إِزَالَتِهِ. (1)
وَعِنْدَ الإِْطْلاَقِ يَدْخُل كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مُسَمَّى الآْخَرِ، وَعِنْدَ اقْتِرَانِهِمَا يَكُونُ الاِسْتِغْفَارُ طَلَبُ وِقَايَةِ شَرِّ مَا مَضَى وَالتَّوْبَةُ الرُّجُوعُ وَطَلَبُ وِقَايَةِ شَرِّ مَا يَخَافُهُ فِي الْمُسْتَقْبَل مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِ، فَفِي التَّوْبَةِ أَمْرَانِ لاَ بُدَّ مِنْهُمَا: مُفَارَقَةُ شَيْءٍ، وَالرُّجُوعُ إِلَى غَيْرِهِ، فَخُصَّتِ التَّوْبَةُ بِالرُّجُوعِ وَالاِسْتِغْفَارُ بِالْمُفَارَقَةِ، وَعِنْدَ إِفْرَادِ أَحَدِهِمَا يَتَنَاوَل كُلٌّ مِنْهُمَا الآْخَرَ. (2)
وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ يَكُونُ الاِسْتِغْفَارُ الْمَقْرُونُ بِالتَّوْبَةِ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ بِاللِّسَانِ، وَالتَّوْبَةُ عِبَارَةٌ عَنِ الإِْقْلاَعِ عَنِ الذَّنْبِ بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ. (3)
ب - الدُّعَاءُ:
3 - كُل دُعَاءٍ فِيهِ سُؤَال الْغُفْرَانِ فَهُوَ اسْتِغْفَارٌ. (4) إِلاَّ أَنَّ بَيْنَ الاِسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ
__________
(1) الفخر الرازي 17 / 181، 182 ط البهية، 27 / 99 ط أولى.
(2) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 3 / 460، ومدارج السالكين 1 / 308 ط السنة المحمدية.
(3) شرح ثلاثيات مسند أحمد 2 / 902 المكتب الإسلامي.
(4) الفتوحات الربانية 7 / 273.
وَجْهٍ، يَجْتَمِعَانِ فِي طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ، وَيَنْفَرِدُ الاِسْتِغْفَارُ إِنْ كَانَ بِالْفِعْل لاَ بِالْقَوْل، كَمَا يَنْفَرِدُ الدُّعَاءُ إِنْ كَانَ بِطَلَبِ غَيْرِ الْمَغْفِرَةِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلاِسْتِغْفَارِ:
4 - الأَْصْل فِي الاِسْتِغْفَارِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، (1) لِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ. {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2) يُحْمَل عَلَى النَّدْبِ، لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، لَكِنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ عَنِ النَّدْبِ إِلَى الْوُجُوبِ (3) كَاسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَالاِسْتِغْفَارِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ (4) .
وَقَدْ يَخْرُجُ إِلَى الْكَرَاهَةِ كَالاِسْتِغْفَارِ لِلْمَيِّتِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ.
وَقَدْ يَخْرُجُ إِلَى الْحُرْمَةِ، كَالاِسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ (5) .

الاِسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ:
5 - الاِسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يُحِل عُقْدَةَ الإِْصْرَارِ، وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجَنَانِ، لاَ التَّلَفُّظُ
__________
(1) القرطبي 4 / 39 دار الكتب المصرية، والشرح الصغير 4 / 765 ط. دار المعارف، والفتوحات الربانية 7 / 272، وشرح ثلاثيات مسند أحمد 2 / 902، وإتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين 5 / 56 ط الميمنية.
(2) سورة المزمل / 20.
(3) الفخر الرازي 5 / 199 ط عبد الرحمن محمد، والفواكه الدواني 2 / 396 ط الحلبي، وإتحاف السادة المتقين 8 / 511.
(4) منح الجليل 1 / 306 ط ليبيا.
(5) ابن عابدين 1 / 301 ط بولاق، والفروق 4 / 260 ط دار إحياء الكتب العربية، ونهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي عليها 2 / 484 ط الحلبي، والمغني مع الشرح الكبير 2 / 357.

الصفحة 35