كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

بِاللِّسَانِ، فَإِنْ كَانَ بِاللِّسَانِ - وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ - فَإِنَّهُ ذَنْبٌ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ (1) . كَمَا رُوِيَ: التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ، وَالْمُسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ (2)
وَيُطْلَبُ لِلْمُسْتَغْفِرِ بِلِسَانِهِ أَنْ يَكُونَ مُلاَحِظًا لِهَذِهِ الْمَعَانِي بِجِنَانِهِ، لِيَفُوزَ بِنَتَائِجِ الاِسْتِغْفَارِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ ذَلِكَ فَيَسْتَغْفِرُ بِلِسَانِهِ، وَيُجَاهِدُ نَفْسَهُ عَلَى مَا هُنَالِكَ، فَالْمَيْسُورُ لاَ يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ (3) . فَإِنِ انْتَفَى الإِْصْرَارُ، وَكَانَ الاِسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ مَعَ غَفْلَةِ الْقَلْبِ، فَفِيهِ رَأْيَانِ:
الأَْوَّل: وَصْفُهُ بِأَنَّهُ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ جَعَلُوهُ مَعْصِيَةً لاَحِقَةً بِالْكَبَائِرِ، وَقَال الآْخَرُونَ: بِأَنَّهُ لاَ جَدْوَى مِنْهُ فَقَطْ. (4)
الثَّانِي: اعْتِبَارُهُ حَسَنَةً وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّ الاِسْتِغْفَارَ عَنْ غَفْلَةٍ خَيْرٌ مِنَ الصَّمْتِ وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى اسْتِغْفَارٍ، لأَِنَّ اللِّسَانَ إِذَا أَلِفَ ذِكْرًا يُوشِكُ أَنْ يَأْلَفَهُ الْقَلْبُ فَيُوَافِقُهُ
__________
(1) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 3 / 460، 485، وتنبيه الغافلين ص 197 ط المشهد الحسيني، والفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية 7 / 267، وشرح ثلاثيات مسند أحمد 2 / 903.
(2) خبر " التائب من الذنب كمن لا ذنب له. . . " أخرجه البيهقي وابن عساكر كما في الفتوحات الربانية 7 / 268 نشر المكتبة الإسلامية.
(3) شرح الأذكار 7 / 268.
(4) إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين 8 / 604، 605، والفتوحات الربانية 7 / 268، والفواكه الدواني 2 / 396 ط الحلبي، ومرقاة المفاتيح 3 / 460.
عَلَيْهِ، وَتَرْكُ الْعَمَل لِلْخَوْفِ مِنْهُ مِنْ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ. (1)

صِيَغُ الاِسْتِغْفَارِ:
6 - وَرَدَ الاِسْتِغْفَارُ بِصِيَغٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَالْمُخْتَارُ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُول: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ. (2)
7 - وَمِنْ أَفْضَل أَنْوَاعِ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُول الْعَبْدُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. (3) وَهَذَا عَلَى سَبِيل الْمِثَال وَلَيْسَ الْحَصْرِ كَمَا
__________
(1) شرح ثلاثيات مسند أحمد 2 / 903، وإتحاف السادة المتقين 8 / 607، ومرقاة المفاتيح 3 / 810 ط المكتبة الإسلامية، والفتوحات الربانية 7 / 292، واليواقيت والجواهر شرح بيان عقائد الأكابر 2 / 104 ط دار المعرفة.
(2) تفسير القرطبي 4 / 40، والأذكار 71، 359 ط الحلبي، ومدارج السالكين 1 / 221 ط نصار، وفتاوى ابن تيمية 10 / 249، وإتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين 5 / 60، والكلم الطيب والعمل الصالح لابن القيم ص 22 ط الرياض. وحديث شداد بن أوس أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 97 ط السلفية) .
(3) حديث " أستغفر الله الذي. . . . " أخرجه أبو داود والترمذي مرفوعا من حديث زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف " قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقا والفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية 7 / 287 - 289 نشر المكتبة الإسلامية، ومجمع الزوائد 10 / 210 نشر مكتبة القدسي) .

الصفحة 36