كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَل فَقَدْ خَانَهُمْ (1)

الاِسْتِغْفَارُ لِلْكَافِرِ:
26 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاِسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ مَحْظُورٌ، بَل بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَال: إِنَّ الاِسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ يَقْتَضِي كُفْرَ مَنْ فَعَلَهُ، لأَِنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ الَّتِي تَدُل عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْل النَّارِ.
27 - وَأَمَّا مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْكَافِرِ الْحَيِّ رَجَاءَ أَنْ يُؤْمِنَ فَيُغْفَرَ لَهُ، فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِإِجَازَةِ ذَلِكَ، وَجَوَّزَ الْحَنَابِلَةُ الدُّعَاءَ بِالْهِدَايَةِ، وَلاَ يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ، كَذَلِكَ اسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الدُّعَاءِ لأَِطْفَال الْكُفَّارِ بِالْمَغْفِرَةِ، لأَِنَّ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الآْخِرَةِ (2) .

تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِالاِسْتِغْفَارِ:
28 - الاِسْتِغْفَارُ إِنْ كَانَ بِمَعْنَى التَّوْبَةِ فَإِنَّهُ يُرْجَى أَنْ
__________
(1) حديث " لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه. . . . " أورده الترمذي ضمن رواية أخرجها من حديث ثوبان مرفوعا، وقال: حديث ثوبان حديث حسن، وأخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري (تحفة الأحوذي 2 / 342 ط السلفية) .
(2) ابن عابدين 1 / 351، وفتح القدير 1 / 467، وأصول السرخسي 2 / 135، والنسفي 2 / 148 ط الحلبي، والألوسي 10 / 148، 11 / 34، 38 ط المنيرية، والفروق 4 / 260 ط دار إحياء الكتب العربية، ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليها 2 / 484 ط الحلبي، والمجموع 5 / 144، والمغني مع الشرح الكبير 2 / 357، والفروع 1 / 699، وفتاوى ابن تيمية 1 / 146، 147، وفتح الباري 3 / 177 ط البهية، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 445 ط دار المجد، والآداب الشرعية 1 / 416.
يُكَفَّرَ بِهِ الذُّنُوبُ إِنْ تَوَافَرَتْ فِيهِ شُرُوطُ التَّوْبَةِ، يَقُول اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} (1) وَيَقُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُول اللَّهِ: مَنِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي دُبُرِ كُل صَلاَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَقَال: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ (2) وَقَدْ قِيل: لاَ صَغِيرَةَ مَعَ الإِْصْرَارِ، وَلاَ كَبِيرَةَ مَعَ الاِسْتِغْفَارِ فَالْمُرَادُ بِالاِسْتِغْفَارِ هُنَا التَّوْبَةُ. (3)
29 - فَإِنْ كَانَ الاِسْتِغْفَارُ عَلَى وَجْهِ الاِفْتِقَارِ وَالاِنْكِسَارِ دُونَ تَحَقُّقِ التَّوْبَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَالشَّافِعِيَّةُ قَالُوا: إِنَّهُ يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ دُونَ الْكَبَائِرِ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ تُغْفَرُ بِهِ الذُّنُوبُ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَهُوَ مَا صَرَّحَتْ بِهِ بَعْضُ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ. (4) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الاِسْتِغْفَارُ مِمْحَاةٌ لِلذُّنُوبِ (5) .
__________
(1) سورة النساء / 110.
(2) حديث " من استغفر الله تعالى، في دبر كل صلاة. . . . " سبق تخريجه (ر: ف / 18)
(3) مرقاة المفاتيح 3 / 66، 77، وابن عابدين 5 / 352، والطحطاوي على مراقي الفلاح 1 / 172، والفتوحات الربانية 7 / 282، ومدارج السالكين 1 / 290، 308، وشرح ميارة الصغير 2 / 181 ط الحلبي، والزواجر لابن حجر 1 / 9، وفتح الباري 11 / 81 ط البهية، وفتاوى ابن تيمية 10 / 655، 15 / 41، والمغني مع الشرح 2 / 80 ط المنار الأولى.
(4) ابن عابدين 1 / 288، ومرقاة المفاتيح 3 / 81، وفتاوى ابن تيمية 10 / 655، ومرقاة المفاتيح 3 / 480، ومدارج السالكين 1 / 290 ط السنة المحمدية.
(5) حديث " الاستغفار ممحاة. . . " أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث حذيفة بن اليمان، وفيه عبيد بن كثير التمار. قال الذهبي: قال الأزدي: متروك عن عبيد الله بن خراش، ضعفه الدارقطني عن عمه العوام بن هوشب، ورمز الألباني إلى أنه ضعيف جدا (فيض القدير 3 / 177 ط المكتبة التجارية، وضعيف الجامع الصغير بتحقيق الألباني 2 / 277 نشر المكتب الإسلامي) .

الصفحة 43