كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

وَسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ. . . " يُسَمَّى دُعَاءَ الاِسْتِفْتَاحِ وَثَنَاءَهُ (1) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَالاِسْتِفْتَاحُ أَخَصُّ مِنَ الثَّنَاءِ.

حُكْمُ الاِسْتِفْتَاحِ:
5 - قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الاِسْتِفْتَاحُ سُنَّةٌ، لِمَا وَرَدَ فِي الأَْحَادِيثِ الَّتِي سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي الصِّيَغِ الْمَأْثُورَةِ فِي الاِسْتِفْتَاحِ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ إِلَى وُجُوبِ الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ ثَنَاءٌ، كَالاِسْتِفْتَاحِ بِنَحْوِ " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. . . " وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ بَطَّةَ وَغَيْرِهِ، وَذُكِرَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ (2) .
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: كَانَ مَالِكٌ لاَ يَرَى هَذَا الَّذِي يَقُول النَّاسُ " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ". وَكَانَ لاَ يَعْرِفُهُ. ثُمَّ نَقَل مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ بِسَنَدِهِ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (3) : قَال: وَقَال مَالِكٌ: مَنْ كَانَ وَرَاءَ الإِْمَامِ، وَمَنْ هُوَ وَحْدَهُ، وَمَنْ كَانَ إِمَامًا فَلاَ يَقُل: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ. . . إِلَخْ ". وَلَكِنْ يُكَبِّرُونَ ثُمَّ
__________
(1) فتح العزيز 3 / 302.
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية 22 / 388.
(3) أخرجه مسلم وأحمد من حديث أنس بن مالك قال: " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها " (صحيح مسلم 1 / 299 ط عيسى الحلبي، ونيل الأوطار 2 / 199 ط المطبعة العثمانية المصرية 1357 هـ) .
يَبْتَدِئُونَ الْقِرَاءَةَ (1) .
وَقَدْ صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْحُكْمَ كَرَاهَةُ الْفَصْل بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ بِدُعَاءٍ. سَوَاءٌ أَكَانَ دُعَاءَ الاِسْتِفْتَاحِ أَوْ غَيْرَهُ. إِلاَّ أَنَّ فِي كِفَايَةِ الطَّالِبِ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ قَال: وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمُ الْفَصْل بَيْنَهُمَا بِلَفْظِ: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. . . إِلَخْ ". وَقَال الْعَدَوِيُّ مُعَلِّقًا عَلَى ذَلِكَ: فِي قَوْلِهِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ إِلَخْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْل لِمَالِكٍ " إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ مَشْهُورًا عَنْهُ (2) .
ثُمَّ قَدْ جَاءَ فِي جَوَاهِرِ الإِْكْلِيل تَعْلِيقًا عَلَى قَوْل خَلِيلٍ بِالْكَرَاهَةِ: أَيْ يُكْرَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِلْعَمَل، وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِهِ - يَعْنِي مَا قَالَهُ الدُّسُوقِيُّ: لأَِنَّهُ لَمْ يَصْحَبْهُ عَمَلٌ - ثُمَّ قَال: وَعَنْ مَالِكٍ نَدْبُ قَوْلِهِ قَبْلَهَا - أَيْ قَبْل تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ -: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. . . إِلَخْ، وَجَّهْتُ وَجْهِي. . . إِلَخْ، اللَّهُمَّ بَاعِدْ. . . إِلَخْ. قَال ابْنُ حَبِيبٍ: يَقُولُهُ بَعْدَ الإِْقَامَةِ وَقَبْل الإِْحْرَامِ. قَال فِي الْبَيَانِ: وَذَلِكَ حَسَنٌ (3) . . اهـ. وَكَذَلِكَ نَقَل الرَّافِعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَهُ: لاَ يُسْتَفْتَحُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ إِلاَّ بِالْفَاتِحَةِ، وَالدُّعَاءُ وَالتَّعَوُّذُ يُقَدِّمُهُمَا عَلَى التَّكْبِيرِ (4) . فَكَأَنَّ خِلاَفَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الاِسْتِفْتَاحِ رَاجِعٌ إِلَى مَوْضِعِهِ، فَعِنْدَهُمْ يَكُونُ قَبْل التَّكْبِيرِ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ بَعْدَهُ (5) .
__________
(1) المدونة 1 / 62.
(2) كفاية الطالب الرباني بحاشية العدوي 1 / 205.
(3) جواهر الإكليل 1 / 53، وانظر أيضا الرهوني 1 / 425، والدسوقي 1 / 252.
(4) فتح العزيز 3 / 301.
(5) ناقش النووي احتجاج المالكية بحديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين " بأنه ليس فيه التصريح بنفي الاستفتاح. ولو صرح بنفيه لكانت الأحاديث الصحيحة بإثباته مقدمة، لأنها زيادة ثقات، وهي إثبات، والإثبات مقدم على النفي. (المجموع 3 / 321) . والحديث أخرجه مسلم (صحيح مسلم 1 / 357 ط عيسى الحلبي 1374 هـ) .

الصفحة 48