كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

أُخْرَى. وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْقِيَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ يُعْتَبَرُ كَتَحْرِيمَةٍ أُخْرَى، لِلْخُرُوجِ بِهِ مِنْ حُكْمِ الاِقْتِدَاءِ إلَى حُكْمِ الاِنْفِرَادِ (1) .
أَمَّا إنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ أَوْ فِي السَّجْدَةِ الأُْولَى مِنَ الرَّكْعَةِ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى فِي الإِْتْيَانِ بِالثَّنَاءِ (الاِسْتِفْتَاحِ) ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ يُدْرِكُ الإِْمَامَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ، لإِِمْكَانِ إحْرَازِ الْفَضِيلَتَيْنِ مَعًا، فَلاَ يَفُوتُ إحْدَاهُمَا. وَمَحَل الاِسْتِفْتَاحِ هُوَ الْقِيَامُ، فَيَفْعَلُهُ فِيهِ.
أَمَّا إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَل بِالاِسْتِفْتَاحِ لاَ يُدْرِكُ الإِْمَامَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرُّكُوعِ، أَوِ السَّجْدَةِ الأُْولَى مِنَ الرَّكْعَةِ، فَإِنَّهُ يَرْكَعُ، أَوْ يَسْجُدُ مَعَ الإِْمَامِ لِئَلاَّ تَفُوتَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّكْعَةِ أَوِ السَّجْدَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إحْرَازِ فَضِيلَةِ الثَّنَاءِ، لأَِنَّ سُنِّيَّةَ الْجَمَاعَةِ آكَدُ وَأَقْوَى مِنْ سُنِّيَّتِهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَسْتَفْتِحُ الْمَأْمُومُ إِذَا أَدْرَكَ الإِْمَامَ فِي قِيَامِ الرَّكْعَةِ الأُْولَى أَوْ غَيْرِهَا، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِهِ يُدْرِكُ الْفَاتِحَةَ قَبْل رُكُوعِ إمَامِهِ. فَإِنْ خَافَ أَلاَّ يُدْرِكَ الْفَاتِحَةَ، فَإِنَّهُ يَشْتَغِل بِهَا وَيَتْرُكُ الاِسْتِفْتَاحَ، لأَِنَّهَا وَاجِبَةٌ وَالاِسْتِفْتَاحُ سُنَّةٌ (2) .
أَمَّا لَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الإِْمَامَ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ: إمَّا فِي الرُّكُوعِ، وَإِمَّا فِي السُّجُودِ، وَإِمَّا فِي التَّشَهُّدِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مَعَهُ، وَيَأْتِي بِالذِّكْرِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الإِْمَامُ، وَلاَ يَأْتِي بِدُعَاءِ الاِسْتِفْتَاحِ فِي الْحَال وَلاَ فِيمَا بَعْدُ (3) .
وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ حَالَتَيْنِ. قَال النَّوَوِيُّ: لَوْ أَدْرَكَ الإِْمَامَ فِي الْقُعُودِ الأَْخِيرِ، فَكَبَّرَ لِلإِْحْرَامِ،
__________
(1) شرح منية المصلي ص 304، 305.
(2) أذكار النووي ص 44.
(3) الأذكار ص 44
فَسَلَّمَ الإِْمَامُ قَبْل قُعُودِهِ لاَ يَقْعُدُ، وَيَأْتِي بِدُعَاءِ الاِسْتِفْتَاحِ. فَإِنْ قَعَدَ قَبْل أَنْ يَسْتَفْتِحَ فَسَلَّمَ الإِْمَامُ فَقَامَ، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي بِدُعَاءِ الاِسْتِفْتَاحِ.
وَكَذَلِكَ قَالُوا: لَوْ أَمَّنَ الإِْمَامُ يُؤَمِّنُ الْمَسْبُوقُ، ثُمَّ يَأْتِي بِالاِسْتِفْتَاحِ، لأَِنَّ التَّأْمِينَ فَاصِلٌ يَسِيرٌ (1) . وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:
إِذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الإِْمَامَ فِيمَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الأُْولَى لَمْ يَسْتَفْتِحْ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ أَنَّ مَا يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ إمَامِهِ هُوَ آخِرُ صَلاَتِهِ لاَ أَوَّلُهَا، فَإِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ اسْتَفْتَحَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ (2) .
أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى عَنْ أَحْمَدَ - أَنَّ مَا يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ إمَامِهِ هُوَ أَوَّل صَلاَتِهِ - فَإِنَّهُ يَسْتَفْتِحُ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ (3) .
أَمَّا إِذَا أَدْرَكَهُ فِي قِيَامِ الرَّكْعَةِ الأُْولَى، فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي اسْتِفْتَاحِ الْمَأْمُومِ (ف 9) .

الصَّلَوَاتُ الَّتِي يَدْخُلُهَا الاِسْتِفْتَاحُ وَاَلَّتِي لاَ يَدْخُلُهَا
13 - الاِسْتِفْتَاحُ - عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ - سُنَّةٌ فِي كُل الصَّلَوَاتِ وَفِي جَمِيعِ الأَْحْوَال. قَال النَّوَوِيُّ: الاِسْتِفْتَاحُ مُسْتَحَبٌّ لِكُل مُصَلٍّ، مِنْ إمَامٍ، وَمَأْمُومٍ، وَمُنْفَرِدٍ، وَامْرَأَةٍ، وَصَبِيٍّ، وَمُسَافِرٍ، وَمُفْتَرِضٍ، وَمُتَنَفِّلٍ، وَقَاعِدٍ، وَمُضْطَجِعٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَال: وَيَدْخُل فِيهِ النَّوَافِل الْمُرَتَّبَةُ وَالْمُطْلَقَةُ، وَالْعِيدُ، وَالْكُسُوفُ فِي الْقِيَامِ الأَْوَّل،
__________
(1) المجموع 3 / 318.
(2) المغني 1 / 575، وكشاف القناع 1 / 426.
(3) المغني 2 / 265

الصفحة 54