كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

مَوَاطِنُ الاِسْتِعَاذَةِ.

أَوَّلاً: الاِسْتِعَاذَةُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:
5 - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الاِسْتِعَاذَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَلَكِنَّهَا تُطْلَبُ لِقِرَاءَتِهِ، لأَِنَّ قِرَاءَتَهُ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ، وَسَعْيُ الشَّيْطَانِ لِلصَّدِّ عَنْهَا أَبْلَغُ. وَأَيْضًا: الْقَارِئُ يُنَاجِي رَبَّهُ بِكَلاَمِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْقَارِئَ الْحَسَنَ التِّلاَوَةِ وَيَسْتَمِعُ إِلَيْهِ، فَأَمَرَ الْقَارِئَ بِالاِسْتِعَاذَةِ لِطَرْدِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ اسْتِمَاعِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُ. (1)
حُكْمُهَا:
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَعَنْ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ} (2) وَلِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلأَِنَّهَا تَدْرَأُ شَرَّ الشَّيْطَانِ، وَمَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (3) .
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الأَْمْرَ لِلنَّدْبِ، وَصَرَفَهُ عَنِ الْوُجُوبِ إِجْمَاعُ السَّلَفِ عَلَى سُنِّيَّتِهِ (4) ، وَلِمَا رُوِيَ
__________
(1) القرطبي 1 / 86، والفخر الرازي 1 / 91، وغاية اللهفان 1 / 110.
(2) سورة النحل / 98
(3) البحر الرائق 1 / 338، وسعدي جلبي مع فتح القدير 1 / 203، والرهوني 1 / 424، والتاج والإكليل 1 / 544، والجمل 1 / 354، والمجموع 3 / 325، ومطالب أولي النهى 1 / 599، والألوسي 14 / 229
(4) الألوسي 14 / 229، والبحر الرائق 1 / 328، وسعدي جلبي على العناية شرح الهداية 1 / 253
مِنْ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، (1) وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَفَى صَارِفًا. (2)

مَحَلُّهَا:
7 - لِلْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي مَحَل الاِسْتِعَاذَةِ مِنَ الْقِرَاءَةِ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا قَبْل الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُورِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَنَفَى صِحَّةَ الْقَوْل بِخِلاَفِهِ. (3) وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَئِمَّةُ الْقُرَّاءِ مُسْنَدًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول قَبْل الْقِرَاءَةِ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (4) . دَل الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيمَ هُوَ السُّنَّةُ، فَبَقِيَ سَبَبِيَّةُ الْقِرَاءَةِ لَهَا، وَالْفَاءُ فِي " فَاسْتَعِذْ " دَلَّتْ عَلَى السَّبَبِيَّةِ، فَلْتُقَدَّرِ " الإِْرَادَةُ " لِيَصِحَّ. وَأَيْضًا الْفَرَاغُ مِنَ الْعَمَل لاَ يُنَاسِبُ الاِسْتِعَاذَةَ.
الثَّانِي: أَنَّهَا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى حَمْزَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَنُقِل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
__________
(1) روى مسلم من حديث عائشة أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين) (صحيح مسلم 1 / 357 ط عيسى الحلبي) .
(2) المبسوط 1 / 13 ط السعادة.
(3) المبسوط 1 / 13، وكشاف القناع 1 / 430 ط مكتبة النصر الحديثة بالرياض، والنشر في القراءات العشر 1 / 255
(4) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول قبل القراءة. . . . " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان من حديث جبير بن مطعم. ورواه أحمد من حديث أبي أمامة، وفي إسناده من لم يسم. (تلخيص الحبير 1 / 229 - 230 ط شركة الطباعة الفنية بالمدينة) . وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم " قال الحافظ البوصيري في الزوائد: وفي إسناده مقال (سنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 266 ط عيسى الحلبي 1372 هـ) .

الصفحة 6