كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

6 - هَذَا وَالاِسْتِقْبَال عِنْدَ الْفُقَهَاءِ قَدْ يَكُونُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَقَدْ يَكُونُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. وَاسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ قَدْ يَكُونُ فِي الصَّلاَةِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِهَا
وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الأَْقْسَامِ وَاحِدًا بَعْدَ الآْخَرِ.

اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ:
7 - الْمُرَادُ بِالْقِبْلَةِ مَوْضِعُ الْكَعْبَةِ، لأَِنَّهُ لَوْ نُقِل بِنَاؤُهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَصُلِّيَ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ. (1) وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَِنَّ النَّاسَ يُقَابِلُونَهَا فِي صَلاَتِهِمْ. وَمَا فَوْقَ الْكَعْبَةِ إلَى السَّمَاءِ يُعَدُّ قِبْلَةً، وَهَكَذَا مَا تَحْتَهَا مَهْمَا نَزَل، فَلَوْ صَلَّى فِي الْجِبَال الْعَالِيَةِ وَالآْبَارِ الْعَمِيقَةِ جَازَ مَا دَامَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا، لأَِنَّهَا لَوْ زَالَتْ صَحَّتِ الصَّلاَةُ إلَى مَوْضِعِهَا، وَلأَِنَّ الْمُصَلِّي عَلَى الْجَبَل يُعَدُّ مُصَلِّيًا إلَيْهَا (2) .

اسْتِقْبَال الْحِجْرِ:
8 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَل الْمُصَلِّي الْحِجْرَ دُونَ الْكَعْبَةِ لَمْ يُجْزِهِ، لأَِنَّ كَوْنَهُ مِنَ الْبَيْتِ مَظْنُونٌ لاَ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَهُوَ لاَ يُكْتَفَى بِهِ فِي الْقِبْلَةِ احْتِيَاطًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَاللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إلَى جَوَازِ الصَّلاَةِ إلَى الْحِجْرِ، لأَِنَّهُ مِنَ الْبَيْتِ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: الْحِجْرُ مِنَ
__________
(1) نهاية المحتاج 6 / 406 ط الحلبي، ورد المحتار 1 / 290.
(2) البحر الرائق 1 / 299، 300، ونهاية المحتاج 1 / 407، 417، 418، ورد المحتار 1 / 290، وحاشية الدسوقي 1 / 224، 299، والشرح الكبير مع المغني 1 / 490 ط الأولى، وكشاف القناع 1 / 274، والجمل على المنهج 1 / 313، والتاج والمصباح (كعب) .
الْبَيْتِ. (1) وَفِي رِوَايَةٍ: سِتُّ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ (2) وَلأَِنَّهُ لَوْ طَافَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ. وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ خِلاَفَ الأَْصَحِّ فِي مَذْهَبِهِمْ، وَقَدَّرَهُ الْحَنَابِلَةُ بِسِتِّ أَذْرُعٍ وَشَيْءٍ، فَمَنِ اسْتَقْبَل عِنْدَهُمْ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ أَلْبَتَّةَ. عَلَى أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الطَّوَافِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَهُ فَلاَ بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ عَنْ جَمِيعِهِ احْتِيَاطًا (3) .

حُكْمُ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ:
9 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاَةِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَل وَجْهَكَ شَطْرَ
__________
(1) حديث " الحجر من البيت ". أخرجه البخاري ومسلم ومالك والترمذي والنسائي بهذا المعنى من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا، ولفظ الشيخين في إحدى الروايات عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجر أمن البيت هو؟ قال: نعم، قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إن قومك قصرت بهم النفقة " وفي رواية لمسلم أن عائشة رضي الله عنها قالت: " سألت ر (فتح الباري 3 / 439 - 443 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 973 ط عيسى الحلبي 1374 هـ، وجامع الأصول 9 / 294 وما بعدها نشر مكتبة الحلواني 1392 هـ) .
(2) حديت " ست أذرع من الحجر. . ". أخرجه مسلم من حديث عائشة مرفوعا بلفظ " يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك، لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة " (صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 969، 970 ط عيسى الحلبي، وجامع الأصول 9 / 296 نشر مكتبة الحلواني 1392 هـ) .
(3) رد المحتار 1 / 286 ط الأولى، ونهاية المحتاج 1 / 418، وحاشية الدسوقي 1 / 229، والمجموع للنووي 3 / 192 ط المنيرية، وكشاف القناع 1 / 274.

الصفحة 62