كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ قُرْبَ الْكَعْبَةِ:
13 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - وَهُوَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ - أَنَّهُ إنِ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْمُحَاذَاةِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، لِعَدَمِ اسْتِقْبَالِهِمْ لَهَا، بِخِلاَفِ الْبُعْدِ عَنْهَا، فَيُصَلُّونَ فِي حَالَةِ الْقُرْبِ دَائِرَةً أَوْ قَوْسًا إنْ قَصُرُوا عَنِ الدَّائِرَةِ، لأَِنَّ الصَّلاَةَ بِمَكَّةَ تُؤَدَّى هَكَذَا مِنْ لَدُنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا (1) .

اسْتِقْبَال الْمَكِّيِّ غَيْرِ الْمُعَايِنِ:
14 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ فَهُوَ كَالْغَائِبِ عَلَى الأَْصَحِّ، فَيَكْفِيهِ اسْتِقْبَال الْجِهَةِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيل مَذْهَبِهِمْ فِي إصَابَةِ الْجِهَةِ فِي " اسْتِقْبَال الْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ ". وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَل بِالْمَسْجِدِ مِنْ أَهْل مَكَّةَ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ عَلَيْهِ إصَابَةُ الْعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. (2)
وَتَفْصِيل مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا إصَابَةَ الْعَيْنِ يَقِينًا عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْل مَكَّةَ أَوْ نَاشِئًا بِهَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ مُحْدَثٍ كَالْحِيطَانِ.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا وَهُوَ غَائِبٌ عَنِ الْكَعْبَةِ فَفَرْضُهُ الْخَبَرُ، كَمَا إِذَا وَجَدَ مُخْبِرًا يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ، أَوْ كَانَ غَرِيبًا نَزَل بِمَكَّةَ فَأَخْبَرَهُ أَهْل الدَّارِ بِهَا. (3)
__________
(1) رد المحتار 1 / 288، 613، والدسوقي 1 / 223، ونهاية المحتاج 1 / 418.
(2) قال الرافعي في تقريره على ابن عابدين 1 / 52: " ليس في عبارته (يعني عبارة الفتح) دلالة على أنه لا يصار إلى الجهة مع إمكان التعيين. واستقبال الجهة فيه إصابة جزء من العين كما يأتي عن المعراج، والتصحيح الصريح أقوى ".
(3) رد المحتار 1 / 287، والدسوقي 1 / 223، والمغني 1 / 456.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ عَلَى مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ عَنِ الْكَعْبَةِ إصَابَةُ الْعَيْنِ إنْ تَيَقَّنَ إصَابَتَهَا، وَإِلاَّ جَازَ لَهُ الاِجْتِهَادُ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ الْمُعَايَنَةَ مِنَ الْمَشَقَّةِ إِذَا لَمْ يَجِدْ ثِقَةً يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ. (1)

15 - الاِسْتِقْبَال عِنْدَ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ فِي الْكَعْبَةِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى صِحَّةِ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ دَاخِل الْكَعْبَةِ. مِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالثَّوْرِيُّ، لِحَدِيثِ بِلاَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ. (2) قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلأَِنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَال جُزْءٍ مِنْهَا غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ قِبْلَةً بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلاَةِ وَالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ. وَمَتَى صَارَ قِبْلَةً فَاسْتِدْبَارُ غَيْرِهِ لاَ يَكُونُ مُفْسِدًا. وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ صَلَّى رَكْعَةً إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ، لأَِنَّهُ صَارَ مُسْتَدْبِرًا الْجِهَةَ الَّتِي صَارَتْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ بِيَقِينٍ بِلاَ ضَرُورَةٍ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ تُصَلَّى الْفَرِيضَةُ وَالْوِتْرُ فِي الْكَعْبَةِ، لأَِنَّهَا مِنَ الْمَوَاطِنِ السَّبْعِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الإِْخْلاَل بِالتَّعْظِيمِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (3) قَالُوا: وَالشَّطْرُ: الْجِهَةُ. وَمَنْ صَلَّى فِيهَا أَوْ عَلَى سَطْحِهَا فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ لِجِهَتِهَا، وَلأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْتَدْبِرًا مِنَ الْكَعْبَةِ مَا لَوِ اسْتَقْبَلَهُ مِنْهَا وَهُوَ فِي خَارِجِهَا صَحَّتْ صَلاَتُهُ،
__________
(1) نهاية المحتاج 1 / 420.
(2) حديث بلال: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة ". أخرجه البخاري (1 / 500 - الفتح ط السلفية) ومسلم (2 / 967 ط الحلبي) .
(3) سورة البقرة / 144.

الصفحة 65