كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

وَلأَِنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى ظَهْرِهَا قَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: سَبْعُ مَوَاطِنَ لاَ تَجُوزُ فِيهَا الصَّلاَةُ: ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ وَالْمَقْبَرَةُ. . إِلَخْ (1) ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الصَّلاَةِ فِيهَا لأَِنَّهَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى. وَتَوَجُّهُ الْمُصَلِّي فِي دَاخِلِهَا إلَى الْجِدَارِ لاَ أَثَرَ لَهُ، إذِ الْمَقْصُودُ الْبُقْعَةُ، بِدَلِيل أَنَّهُ يُصَلِّي لِلْبُقْعَةِ حَيْثُ لاَ جِدَارَ. وَإِنَّمَا جَازَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ مَعَ أَنَّهُ أَعْلَى مِنْ بِنَائِهَا لأَِنَّ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ مُصَلٍّ لَهَا، وَأَمَّا الْمُصَلِّي عَلَى ظَهْرِهَا فَهُوَ فِيهَا.
وَهُنَاكَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ بِجَوَازِ الصَّلاَةِ فِي الْكَعْبَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ. (2)

الاِسْتِقْبَال عِنْدَ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ فَوْقَ الْكَعْبَةِ:
16 - وَأَمَّا صَلاَةُ الْفَرِيضَةِ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ فَقَدْ أَجَازَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُمْ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى عَدَمِ جَوَازِ الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ عَلَيْهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ.

صَلاَةُ النَّافِلَةِ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَيْهَا:
17 - ذَهَبَ الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ إلَى جَوَازِ صَلاَةِ النَّفْل الْمُطْلَقِ دَاخِل الْكَعْبَةِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهَا، وَلِلأَْدِلَّةِ السَّابِقَةِ عَلَى صِحَّةِ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ، وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى جَوَازِهَا
__________
(1) حديث: " سبع مواطن. . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 246 ط الحلبي) ، ونقل المناوي تضعيفه عن الذهبي في الفيض (4 / 88 ط المكتبة التجارية) .
(2) رد المحتار 1 / 612، والدسوقي 1 / 229، والمجموع للنووي 1 / 194، ونهاية المحتاج 1 / 417 فما بعدها، 2 / 61، وكشاف القناع 1 / 270، 274.
فِي الْكَعْبَةِ كَذَلِكَ. وَلِلْمَالِكِيَّةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ: الْحُرْمَةُ بِأَدِلَّتِهِمْ عَلَى مَنْعِ الْفَرِيضَةِ، وَالْجَوَازُ قِيَاسًا عَلَى النَّفْل الْمُطْلَقِ، وَالثَّالِثُ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ.
وَذَهَبَ أَصْبَغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ صَلاَةُ النَّافِلَةِ فِيهَا.
أَمَّا صَلاَةُ النَّافِلَةِ عَلَى ظَهْرِهَا فَتَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي اسْتِقْبَال الْهَوَاءِ أَوِ اسْتِقْبَال قِطْعَةٍ مِنَ الْبِنَاءِ وَلَوْ مِنْ حَائِطِ السَّطْحِ.
هَذَا، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى جَوَازِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ لِبُعْدِهِ عَنِ الأَْدَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرِيضَةِ.
هَذَا، وَمَا وَرَدَ فِي شَأْنِ الصَّلاَةِ فِي الْكَعْبَةِ يَرِدُ فِي الْحِجْرِ (الْحَطِيمِ) لأَِنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْكَعْبَةِ. (1)
18 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، إلَى أَنَّ الصَّلاَةَ الَّتِي تَجُوزُ فِي الْكَعْبَةِ، تَصِحُّ لأَِيِّ جِهَةٍ وَلَوْ لِجِهَةِ بَابِهَا مَفْتُوحًا، وَلَوْ لَمْ يَسْتَقْبِل شَيْئًا فِي هَذِهِ الْحَال، لأَِنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَلَيْسَتْ هِيَ الْبِنَاءُ، بِدَلِيل أَنَّهُ لَوْ نُقِل إلَى عَرْصَةٍ أُخْرَى وَصَلَّى إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، وَلأَِنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَبَل أَبِي قُبَيْسٍ جَازَتْ بِالإِْجْمَاعِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُصَل إلَى الْبِنَاءِ. (2) وَشَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ لِجَوَازِ الصَّلاَةِ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَيْهَا أَنْ يَسْتَقْبِل جِدَارًا مِنْهَا أَيًّا كَانَ، أَوْ يَسْتَقْبِل الْبَابَ إنْ كَانَ مَفْتُوحًا وَكَانَ لَهُ عَتَبَةٌ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الآْدَمِيِّ تَقْرِيبًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، لأَِنَّ
__________
(1) رد المحتار 1 / 290، 612، والدسوقي 1 / 229، والمجموع للنووي 1 / 194، ونهاية المحتاج 1 / 417 فما بعدها، وكشاف القناع 1 / 274.
(2) قال الرافعي في تقريره 1 / 125: لم يظهر عدم صحة الاقتداء في صورة ما إذا قام المقتدي في داخل الكعبة أمام الإمام، وهو في خارجها وجهه لظهر المقتدي، إذ الجهة مختلفة، فإن الإمام إذا استقبل باب الكعبة مثلا يكون مستقبلا جهة الباب، والمقتدي مستدبر لها مستقبل وانظر الدسوقي 1 / 228.

الصفحة 66