كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

فِي مَعْرِفَةِ الْعَلاَمَاتِ الَّتِي لاَ يَخْتَلِفُ فِيهَا الْكَافِرُ عَنِ الْمُسْلِمِ، وَذَلِكَ كَتَعَلُّمِ سَائِرِ الْعُلُومِ (1) .

الاِجْتِهَادُ فِي الْقِبْلَةِ:
27 - اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى وُجُوبِ الاِجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ فِي الْجُمْلَةِ. (2)
قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إنْ فَقَدَ الْمُصَلِّي مَا ذُكِرَ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالْمَحَارِيبِ وَالْمُخْبِرِ وَأَمْكَنَهُ الاِجْتِهَادُ، بِأَنْ كَانَ بَصِيرًا يَعْرِفُ أَدِلَّةَ الْقِبْلَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الاِجْتِهَادُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ، إذْ كُل مَنْ عَلِمَ أَدِلَّةَ شَيْءٍ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ، وَلأَِنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَجَبَ الاِسْتِدْلاَل عَلَيْهِ عِنْدَ خَفَائِهِ، وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الاِجْتِهَادُ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ، لأَِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنِ اسْتِقْبَالِهَا بِدَلِيلِهِ.
وَقَالُوا: أَنَّهُ إِذَا ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ عَنْ الاِجْتِهَادِ صَلَّى حَسَبَ حَالِهِ وَلاَ يُقَلِّدُ، كَالْحَاكِمِ لاَ يَسَعُهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلاَةَ. وَصَرَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّ شَرْطَ الاِجْتِهَادِ لاَ يَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ مَعَ إمْكَانِهِ. (3)

الشَّكُّ فِي الاِجْتِهَادِ وَتَغَيُّرُهُ:
28 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ عَمِل بِالاِجْتِهَادِ الثَّانِي حَتْمًا، إِنْ
__________
(1) نهاية المحتاج 1 / 422 - 427.
(2) نهاية المحتاج 1 / 422، والشرح الكبير مع المغني 1 / 490، ورد المحتار 1 / 288، والدسوقي 1 / 224.
(3) نهاية المحتاج 1 / 423، والمغني 1 / 469، والشرح الكبير مع المغني 1 / 490، 493، 494.
تَرَجَّحَ عَلَى الأَْوَّل، وَعَمِل بِالأَْوَّل إِنْ تَرَجَّحَ عَلَى الثَّانِي. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَإِنْ شَكَّ فِي اجْتِهَادِهِ لَمْ يَزُل عَنْ جِهَتِهِ، لأَِنَّ الاِجْتِهَادَ ظَاهِرٌ فَلاَ يَزُول عَنْهُ بِالشَّكِّ. وَلاَ يُعِيدُ مَا صَلَّى بِالاِجْتِهَادِ الأَْوَّل، كَالْحَاكِمِ لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي الْحَادِثَةِ الثَّانِيَةِ عَمِل فِيهَا بِالاِجْتِهَادِ الثَّانِي، وَلَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ الأَْوَّل بِغَيْرِ خِلاَفٍ، لأَِنَّ الاِجْتِهَادَ لاَ يُنْقَضُ بِالاِجْتِهَادِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ بِالاِجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ إِذَا تَحَوَّل رَأْيُهُ اسْتَدَارَ وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ.
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ وَبَعْدَهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا اسْتَدَارَ وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لأَِرْبَعِ جِهَاتٍ بِالاِجْتِهَادِ جَازَ، لأَِنَّهُ مُجْتَهِدٌ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ، فَلَمْ تَجُزْ لَهُ الصَّلاَةُ إلَى غَيْرِهَا، كَمَا لَوْ أَرَادَ صَلاَةً أُخْرَى، وَلَيْسَ فِيهِ نَقْضٌ لاِجْتِهَادِهِ، لأَِنَّا لَمْ نُلْزِمْهُ إعَادَةَ مَا مَضَى، وَإِنَّمَا نُلْزِمُهُ الْعَمَل بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَل. (1)
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنْ تَبَيَّنَ لِمَنْ صَلَّى بِالاِجْتِهَادِ خَطَأُ اجْتِهَادِهِ فِي الصَّلاَةِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ قَطَعَهَا وُجُوبًا. أَمَّا بَعْدَ إتْمَامِ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا نَدْبًا لاَ وُجُوبًا. قِيَاسًا عَلَى الْقَاضِي إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ خَطَأُ الدَّلِيل قَبْل بَتِّ الْحُكْمُ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِاجْتِهَادِهِ الأَْوَّل، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ نُقِضَ. أَمَّا إنْ شَكَّ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلاَتَهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ الأَْوَّل. (2)
__________
(1) نهاية المحتاج 1 / 422 - 427، والشرح الكبير مع المغني 1 / 497.
(2) الدسوقي 1 / 227.

الصفحة 70