كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

الاِخْتِلاَفُ فِي الاِجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ:
29 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ مُجْتَهِدَيْنِ لَمْ يَتَّبِعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَلاَ يَؤُمُّهُ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ خَطَأَ الآْخَرِ فَلَمْ يَجُزْ الاِئْتِمَامُ.
وَعِنْدَ ابْنِ قُدَامَةَ أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ جَوَازُ ذَلِكَ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ، ذَلِكَ أَنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ صَلاَةِ الآْخَرِ، وَأَنَّ فَرْضَهُ التَّوَجُّهُ إلَى مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ اخْتِلاَفُ الْجِهَةِ الاِقْتِدَاءَ بِهِ، كَالْمُصَلِّينَ حَوْل الْكَعْبَةِ.
وَلَوِ اتَّفَقَا فِي الْجِهَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الاِنْحِرَافِ يَمِينًا أَوْ شِمَالاً فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الاِئْتِمَامِ بِلاَ خِلاَفٍ لاِتِّفَاقِهِمَا فِي الْجِهَةِ، وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي الاِسْتِقْبَال.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوِ اجْتَهَدَ اثْنَانِ فِي الْقِبْلَةِ، وَاتَّفَقَ اجْتِهَادُهُمَا، فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَزِمَهُ الاِنْحِرَافُ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ الْمُفَارَقَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا تَيَامُنًا وَتَيَاسُرًا، وَذَلِكَ عُذْرٌ فِي الْمُفَارَقَةِ فَلاَ تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَمَحَل ذَلِكَ حَيْثُ عَلِمَ الْمَأْمُومُ بِانْحِرَافِ إمَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلاَّ بَعْدَ السَّلاَمِ فَالأَْقْرَبُ وُجُوبُ الإِْعَادَةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ سَلَّمَ الإِْمَامُ فَتَحَوَّل رَأْيُ مَسْبُوقٍ وَلاَحِقٍ (1) اسْتَدَارَ الْمَسْبُوقُ، لأَِنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَاسْتَأْنَفَ اللاَّحِقُ، لأَِنَّهُ مُقْتَدٍ فِيمَا يَقْضِيهِ. وَالْمُقْتَدِي إِذَا ظَهَرَ لَهُ وَرَاءَ الإِْمَامِ أَنَّ الْقِبْلَةَ غَيْرُ الْجِهَةِ الَّتِي يُصَلِّي إلَيْهَا الإِْمَامُ لاَ يُمْكِنُهُ إصْلاَحُ صَلاَتِهِ،
__________
(1) المسبوق من فاتته ركعة فأكثر مع الإمام. أما اللاحق فهو من ابتدأ صلاته مع الإمام، ثم عرض له عارض منعه من متابعة الإمام حتى فاتته ركعة أو أكثر.
لأَِنَّهُ إنِ اسْتَدَارَ خَالَفَ إمَامَهُ فِي الْجِهَةِ قَصْدًا وَهُوَ مُفْسِدٌ، وَإِلاَّ كَانَ مُتِمًّا صَلاَتَهُ إلَى مَا هُوَ غَيْرُ الْقِبْلَةِ عِنْدَهُ وَهُوَ مُفْسِدٌ أَيْضًا. (1)

خَفَاءُ الْقِبْلَةِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ:
30 - خَفَاءُ الْقِبْلَةِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل الصَّلاَةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل التَّحَرِّي أَوْ بَعْدَهُ، وَسَنَتَنَاوَل بِالْبَحْثِ كُلًّا عَلَى حِدَةٍ.

خَفَاءُ الْقِبْلَةِ قَبْل الصَّلاَةِ وَالتَّحَرِّي:
31 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ بِالاِسْتِدْلاَل، وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ الأَْدِلَّةُ لِفَقْدِهَا أَوْ لِغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ أَوِ الْتِبَاسٍ مَعَ ظُهُورِهَا، حَيْثُ تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ الأَْمَارَاتُ، فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَيُصَلِّي، وَتَصِحُّ صَلاَتُهُ عِنْدَئِذٍ، لأَِنَّهُ بَذَل وُسْعَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مَعَ عِلْمِهِ بِأَدِلَّتِهِ، أَشْبَهَ الْحَاكِمَ إِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُل رَجُلٍ مِنَّا حِيَالَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} } (2)
__________
(1) رد المحتار 1 / 291، الدسوقي 1 / 226، ونهاية المحتاج 1 / 429، والمغني 1 / 474، والشرح الكبير مع المغني 1 / 493، وغنية المتملي شرح منية المصلي ص 225.
(2) حديث: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة. . . " أخرجه الترمذي واللفظ له وابن ماجه من حديث ربيعة. قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك - أي ليس بالقوي - لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الح (تحفة الأحوذي 2 / 321، 322 نشر السلفية 1384 هـ وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 326 ط عيسى الحلبي 1372 هـ) . والآية من سورة البقرة / 115.

الصفحة 71