كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

الْجُلُوسِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ سَيِّدَ الْمَجَالِسِ مَا اسْتَقْبَل الْقِبْلَةَ. (1)
قَال صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَيُتَّجَهُ فِي كُل طَاعَةٍ إلاَّ لِدَلِيلٍ. (2)
وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا تَغْلِيطُ الأَْمْرِ وَإِلْقَاءُ الرَّهْبَةِ فِي قَلْبِ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا، كَمَا فِي تَغْلِيظِ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَى حَالِفِهَا بِذَلِكَ (ر: إثْبَاتٌ ف 26) .
عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلإِْنْسَانِ أَحْوَالٌ تَرْفَعُ هَذَا الاِسْتِحْبَابَ، بَل قَدْ يَكُونُ اسْتِقْبَالُهَا حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا (ر: قَضَاءُ الْحَاجَةِ. اسْتِنْجَاء) .
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ زَائِرَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَسْتَقْبِل الْقَبْرَ الشَّرِيفَ (3) .

اسْتِقْبَال غَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ:
43 - الأَْصْل فِي اسْتِقْبَال الْمُصَلِّي لِلأَْشْيَاءِ الإِْبَاحَةُ، مَا دَامَ مُتَوَجِّهًا إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ، لَكِنْ هُنَاكَ أَشْيَاءُ مُعَيَّنَةٌ نُهِيَ الْمُصَلِّي عَنْ أَنْ يَجْعَلَهَا أَمَامَهُ لاِعْتِبَارَاتٍ خَاصَّةٍ فِيهَا، كَأَنْ يَكُونَ فِي وُجُودِهَا أَمَامَهُ تَشَبُّهٌ بِالْمُشْرِكِينَ، كَمَا فِي الصَّنَمِ وَالنَّارِ وَالْقَبْرِ، أَوْ لِكَوْنِهَا قَذِرَةً أَوْ نَجِسَةً يُصَانُ وَجْهُ الْمُصَلِّي وَنَظَرُهُ عَنْهَا، كَمَا فِي
__________
(1) حديث: " إن سيد المجالس. . . ". أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ " إن لكل شيء سيدا، وإن سيد المجالس قبالة القبلة " قال الهيثمي والمنذري وغيرهما: إسناده حسن. (مجمع الزوائد 8 / 59 نشر مكتبة القدس 1353 هـ، وفيض القدير 2 / 512، نشر المكتبة التجارية 1356 هـ) .
(2) الفروع 1 / 80.
(3) شرح الأذكار لابن علان 5 / 33.
الصَّلاَةِ إلَى الْحَشِّ (1) وَالْمَجْزَرَةِ، أَوْ قَدْ يَكُونُ أَمَامَهُ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ فِكْرَهُ كَمَا فِي الصَّلاَةِ إلَى الطَّرِيقِ. وَقَدْ تَنَاوَلَهَا الْفُقَهَاءُ بِالْبَحْثِ فِي الْكَلاَمِ عَلَى مَكْرُوهَاتِ الصَّلاَةِ. (2)
وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي أَمَامَ الْمُصَلِّي أَمْرًا مَرْغُوبًا فِيهِ، لِكَوْنِهِ عَلاَمَةً عَلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ لِمَنْعِ الْمَارِّينَ مِنَ الْمُرُورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، كَمَا فِي الصَّلاَةِ إلَى السُّتْرَةِ. وَقَدْ بَحَثَهَا الْفُقَهَاءُ ضِمْنَ سُنَنِ الصَّلاَةِ. (3)

اسْتِقْبَال غَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ:
44 - الأَْصْل فِي تَوَجُّهِ الإِْنْسَانِ إلَى الأَْشْيَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ الإِْبَاحَةُ أَيْضًا، وَلَكِنْ قَدْ يُطْلَبُ التَّوَجُّهُ إلَى الْمَوَاطِنِ الشَّرِيفَةِ فِي الأَْحْوَال الشَّرِيفَةِ طَلَبًا لِخَيْرِهَا وَفَضْلِهَا، كَاسْتِقْبَال السَّمَاءِ بِالْبَصَرِ وَبِبُطُونِ الْكَفَّيْنِ فِي الدُّعَاءِ. (4)
كَمَا يُطْلَبُ عَدَمُ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا فِي الأَْحْوَال الْخَسِيسَةِ، كَاسْتِقْبَال قَاضِي الْحَاجَةِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَوِ الْمُصْحَفَ الشَّرِيفَ (ر: قَضَاءُ الْحَاجَةِ) .
وَقَدْ يُطْلَبُ تَجَنُّبُ اسْتِقْبَالِهَا صِيَانَةً لَهُ عَنْهَا لِنَجَاسَتِهَا أَوْ حِفْظًا لِبَصَرِهِ عَنِ النَّظَرِ إلَيْهَا، كَاسْتِقْبَال قَاضِي الْحَاجَةِ مَهَبَّ الرِّيحِ، وَاسْتِقْبَال
__________
(1) الحش: هو الموضع الذي تقضى فيه الحاجة في البساتين ثم أطلقت على الكنف. (المصباح المنير) حسن.
(2) تحفة الأحوذي 2 / 326، والمغني 2 / 72، 80، والخرشي 1 / 294 ط بولاق، وشرح الروض 1 / 174، ونهاية المحتاج 2 / 54، 60، 61، ورد المحتار 1 / 433، 438، وتقرير الرافعي عليه 1 / 85، وكشاف القناع 1 / 342 ط السنة المحمدية.
(3) نهاية المحتاج 2 / 54، والمغني 2 / 66، 71.
(4) شرح الأذكار 2 / 27.

الصفحة 76