كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)

بِهَا أَمْ يُخْفُونَهَا؟ قَال: مَا كُنَّا نَجْهَرُ وَلاَ نُخْفِي، مَا كُنَّا نَسْتَعِيذُ أَلْبَتَّةَ. (1)

بَعْضُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الإِْسْرَارُ:
9 - ذَكَرَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ بَعْضَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الإِْسْرَارُ بِالاِسْتِعَاذَةِ، مِنْهَا مَا إِذَا قَرَأَ خَالِيًا، سَوَاءٌ أَقَرَأَ جَهْرًا أَمْ سِرًّا، وَمِنْهَا مَا إِذَا قَرَأَ سِرًّا، وَمِنْهَا مَا إِذَا قَرَأَ فِي الدُّورِ وَلَمْ يَكُنْ فِي قِرَاءَتِهِ مُبْتَدِئًا يُسِرُّ بِالتَّعَوُّذِ، لِتَتَّصِل الْقِرَاءَةُ، وَلاَ يَتَخَلَّلُهَا أَجْنَبِيٌّ، فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ اُسْتُحِبَّ الْجَهْرُ - وَهُوَ الإِْنْصَاتُ - فُقِدَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. (2)

الْمُرَادُ بِالإِْخْفَاءِ:
10 - ذَكَرَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ اخْتِلاَفَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْمُرَادِ بِالإِْخْفَاءِ، فَقَال: إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ قَالُوا: هُوَ الْكِتْمَانُ، وَعَلَيْهِ حَمَل كَلاَمَ الشَّاطِبِيِّ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ، فَعَلَى هَذَا يَكْفِي فِيهِ الذِّكْرُ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ. وَقَال الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ بِهِ الإِْسْرَارُ وَعَلَيْهِ حَمَل الْجَعْبَرِيُّ كَلاَمَ الشَّاطِبِيِّ، فَلاَ يَكْفِي فِيهِ إِلاَّ التَّلَفُّظُ وَإِسْمَاعُ نَفْسِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، لأَِنَّ نُصُوصَ الْمُتَقَدِّمِينَ كُلَّهَا عَلَى جَعْلِهِ ضِدًّا لِلْجَهْرِ، وَكَوْنُهُ ضِدًّا لِلْجَهْرِ يَقْتَضِي الإِْسْرَارَ بِهِ. (3)
__________
(1) المرجع السابق 1 / 252.
(2) النشر في القراءات العشر 1 / 254، والشبراملسي على نهاية المحتاج 1 / 456 ط مصطفى الحلبي.
(3) النشر في القراءات العشر 1 / 254.
صِيَغُ الاِسْتِعَاذَةِ وَأَفْضَلُهَا:
11 - وَرَدَتْ صِيغَتَانِ لِلاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ الْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ، إِحْدَاهُمَا: " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " كَمَا وَرَدَ فِي سُورَةِ النَّحْل مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (1) . وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. قَال ابْنُ الْجَزَرِيِّ: إِنَّهُ الْمُخْتَارُ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ، وَقَال أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ (جَمَال الْقُرَّاءِ) : إِنَّ إِجْمَاعَ الأُْمَّةِ عَلَيْهِ. قَال فِي النَّشْرِ: وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّعَوُّذُ بِهِ لِلْقِرَاءَةِ وَلِسَائِرِ تَعَوُّذَاتِهِ، وَقَال أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: هُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. (2)
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِذْهَابِ الْغَضَبِ: لَوْ قَال: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ (3) وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ أَمَامَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَال: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَال: قُل: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهَكَذَا أَخَذْتُهُ عَنْ جِبْرِيل عَنْ مِيكَائِيل عَنِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ (4) .
الثَّانِيَةُ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ
__________
(1) سورة النحل / 98.
(2) النشر في القراءات العشر 1 / 243، والطحطاوي على مراقي الفلاح 1 / 141.
(3) قول النبي صلى الله عليه وسلم في إذهاب الغضب أخرجه البخاري من حديث سليمان بن جرد بلفظ: " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " (فتح الباري 10 / 518 ط السلفية) .
(4) قال ابن الجزري: حديث غريب جيد الإسناد (النشر في القراءات العشر 1 / 244 نشر المكتبة التجارية) .

الصفحة 8