كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 4)
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ.
أَمَّا النَّصُّ: فَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَل عَلَيَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّل وَجْهَهُ، وَدَخَل أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَال: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَل عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: دَعْهُمَا، فَلَمَّا غَفَل غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا (1) .
وَيَقُول عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْغِنَاءُ زَادُ الرَّاكِبِ (2)
فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَسْتَمِعُ إلَى غِنَاءِ خَوَّاتٍ، فَلَمَّا كَانَ السَّحَرُ قَال لَهُ: ارْفَعْ لِسَانَكَ يَا خَوَّاتُ، فَقَدْ أَسَحَرَنَا (3)
__________
(1) حديث: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان. . . " أخرجه البخاري واللفظ له ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها (فتح الباري 2 / 440 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 607 ط عيسى الحلبي) .
(2) " الغناء زاد الراكب ". أخرجه البيهقي أثرا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، (السنن الكبرى 5 / 68 ط مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند 1352 هـ) .
(3) " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يستمع إلى غناء خوات. . . " أخرجه البيهقي أثرا عن خوات بن جبير بلفظ " خرجنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، قال: فقال القوم: غننا يا خوات، فغناهم. قالوا: غننا من شعر ضرار، فقال عمر رضي الله عنه: دعوا أبا عبد الله يتغنى من بنيات فؤاده يعني من شعره. قال: فما زلت أغنيهم حتى إذا كان السحر، فقال عمر: ارفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا ". وأورده ابن حجر معزوا لابن السراج في تأريخه دون تعقيب. (سنن البيهقي 5 / 69 ط مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند 1352 هـ، والإصابة 1 / 457) .
وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَإِنَّ الْغِنَاءَ الَّذِي لاَ يُصَاحِبُهُ مُحَرَّمٌ، فِيهِ سَمَاعُ صَوْتٍ طَيِّبٍ مَوْزُونٍ، وَسَمَاعُ الصَّوْتِ الطَّيِّبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَيِّبٌ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ، لأَِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَلَذُّذِ حَاسَّةِ السَّمْعِ بِإِدْرَاكِ مَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِهِ، كَتَلَذُّذِ الْحَوَاسِّ الأُْخْرَى بِمَا خُلِقَتْ لَهُ.
20 - وَأَمَّا الْوَزْنُ فَإِنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ الصَّوْتَ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الصَّوْتَ الْمَوْزُونَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ حَنْجَرَةِ الْعَنْدَلِيبِ لاَ يَحْرُمُ سَمَاعُهُ، فَكَذَلِكَ صَوْتُ الإِْنْسَانِ، لأَِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ حَنْجَرَةٍ وَحَنْجَرَةٍ.
وَإِذَا انْضَمَّ الْفَهْمُ إلَى الصَّوْتِ الطَّيِّبِ الْمَوْزُونِ، لَمْ يَزِدِ الإِْبَاحَةَ فِيهِ إلاَّ تَأْكِيدًا.
21 - أَمَّا تَحْرِيكُ الْغِنَاءِ الْقُلُوبَ، وَتَحْرِيكُهُ الْعَوَاطِفَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْعَوَاطِفَ إنْ كَانَتْ عَوَاطِفَ نَبِيلَةً فَمِنَ الْمَطْلُوبِ تَحْرِيكُهَا، وَقَدْ وَقَعَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنِ اسْتَمَعَ إلَى الْغِنَاءِ فِي طَرِيقِهِ لِلْحَجِّ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَكَانَ الصَّحَابَةُ يُنْشِدُونَ الرَّجَزِيَّاتِ لإِِثَارَةِ الْجُنْدِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعِيبُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَرَجَزِيَّاتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَغَيْرِهِ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ. (1)
الْغِنَاءُ لأَِمْرٍ مُبَاحٍ:
22 - إِذَا كَانَ الْغِنَاءُ لأَِمْرٍ مُبَاحٍ، كَالْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ، وَالْعِيدِ، وَالْخِتَانِ، وَقُدُومِ الْغَائِبِ، تَأْكِيدًا لِلسُّرُورِ الْمُبَاحِ، وَعِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تَأْكِيدًا لِلسُّرُورِ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ سَيْرِ الْمُجَاهِدِينَ لِلْحَرْبِ إِذَا كَانَ لِلْحَمَاسِ فِي نُفُوسِهِمْ، أَوْ لِلْحُجَّاجِ لإِِثَارَةِ الأَْشْوَاقِ فِي نُفُوسِهِمْ إلَى الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ، أَوْ لِلإِْبِل لِحَثِّهَا
__________
(1) إحياء علوم الدين 2 / 270 وما بعدها.
الصفحة 92