كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 5)

الأَْوَّل: تَحْرِيمُ شُرْبِهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا:
7 - ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْخَمْرِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الأُْمَّةِ. أَمَّا الْكِتَابُ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَل أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} . (1) وَتَحْرِيمُ الْخَمْرِ كَانَ بِتَدْرِيجٍ وَبِمُنَاسَبَةِ حَوَادِثَ مُتَعَدِّدَةٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُولَعِينَ بِشُرْبِهَا. وَأَوَّل مَا نَزَل صَرِيحًا فِي التَّنْفِيرِ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُل فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (2) فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ تَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيمَا فِيهِ إِثْمٌ كَبِيرٌ، وَلَمْ يَتْرُكْهَا بَعْضُهُمْ، وَقَالُوا: نَأْخُذُ مَنْفَعَتَهَا، وَنَتْرُكُ إِثْمَهَا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (3) فَتَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيمَا يُشْغِلُنَا عَنِ الصَّلاَةِ، وَشَرِبَهَا بَعْضُهُمْ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ حَتَّى نَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ. . .} الآْيَةَ. فَصَارَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ، حَتَّى صَارَ يَقُول بَعْضُهُمْ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئًا أَشَدَّ مِنَ الْخَمْرِ 8 - وَقَدْ أَكَّدَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ بِوُجُوهٍ مِنَ التَّأْكِيدِ: مِنْهَا: تَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِإِنَّمَا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَرَنَهُمَا بِعِبَادَةِ الأَْصْنَامِ.
__________
(1) سورة المائدة / 90 - 91.
(2) سورة البقرة / 219.
(3) سورة النساء / 43.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا رِجْسًا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ لاَ يَأْتِي مِنْهُ إِلاَّ الشَّرُّ الْبَحْتُ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَمَرَ بِاجْتِنَابِهِمَا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَل الاِجْتِنَابَ مِنَ الْفَلاَحِ، وَإِذَا كَانَ الاِجْتِنَابُ فَلاَحًا كَانَ الاِرْتِكَابُ خَيْبَةً وَمَمْحَقَةً. وَمِنْهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَنْتُجُ مِنْهُمَا مِنَ الْوَبَال، وَهُوَ وُقُوعُ التَّعَادِي وَالتَّبَاغُضِ مِنْ أَصْحَابِ الْخَمْرِ وَالْقِمَارِ، وَمَا يُؤَدِّيَانِ إِلَيْهِ مِنَ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَعَنْ مُرَاعَاةِ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَهَل أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} مِنْ أَبْلَغِ مَا يُنْهَى بِهِ، كَأَنَّهُ قِيل: قَدْ تُلِيَ عَلَيْكُمْ مَا فِيهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الصَّوَارِفِ وَالْمَوَانِعِ، فَهَل أَنْتُمْ مَعَ هَذِهِ الصَّوَارِفِ مُنْتَهُونَ، أَمْ أَنْتُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ، كَأَنْ لَمْ تُوعَظُوا وَلَمْ تُزْجَرُوا (1) . 9 - وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا. وَقَدْ قَال جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ: كُل شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ، فَيَعُمُّ الْمُسْكِرَ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِلأَْحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ التَّالِيَةِ: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: {كُل شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ} . (2)
__________
(1) تفسير الزمخشري 1 / 674 - 675 نشر دار الكتاب العربي، وتفسير القرطبي 6 / 285 وما بعدها مطبعة دار الكتب، وتفسير الطبري 7 / 31 وما بعدها ط مصطفى الحلبي، وتفسير الرازي 2 / 179 وما بعدها المطبعة البهية، وتفسير الآلوسي 7 / 15 وما بعدها الطباعة المنيرية.
(2) حديث: " كل شراب أسكر فهو حرام ". أخرجه البخاري (10 / 41 - الفتح - ط السلفية) ومسلم (3 / 1585 - ط الحلبي) .

الصفحة 15