كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 5)

َاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا تَصَرُّفَهُ بِالصَّدَقَةِ الْيَسِيرَةِ (1) .
الثَّالِثُ: تَصَرُّفَاتٌ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرِّ، كَالْبُيُوعِ وَالإِْجَارَةِ. وَالأَْصْل فِي هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ بَاطِلٌ عَلَى قَوْل بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمُ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ، وَابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ وَقَعَ مَوْقُوفًا عَلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ إِنِ اخْتَلَفَ الْغُرَمَاءُ، وَعَلَى نَظَرِهِمْ إِنِ اتَّفَقُوا، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْل الصَّاحِبَيْنِ أَنَّ لِلْمُفَلِّسِ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ بِثَمَنٍ مِثْلِهِ، لأَِنَّهُ لاَ يُبْطِل حَقَّ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ بَاعَ بِالْغَبْنِ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا أَمْ فَاحِشًا، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ إِزَالَةِ الْغَبْنِ وَبَيْنَ الْفَسْخِ (2) .
وَلَوْ بَاعَ بَعْضَ مَالِهِ لِغَرِيمِهِ بِدَيْنِهِ، فَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَصِحُّ، لأَِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ: لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِإِذْنِ الْقَاضِي، لأَِنَّ الْحَجْرَ يَثْبُتُ عَلَى الْعُمُومِ، وَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ غَرِيمٌ آخَرُ. وَمُقَابِلُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَصِحُّ، وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنِ الْقَاضِي، لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ الْغَرِيمِ الآْخَرِ. لَكِنْ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ لِلْغُرَمَاءِ جَمِيعِهِمْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَكُونَ دَيْنُهُمْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ.
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 / 62، وشرح المنتهى 2 / 278، وشرح المنهاج وحاشية القليوبي 2 / 287، والزرقاني على خليل 5 / 262 - 266.
(2) الاختيار لتعليل المختار 1 / 269 ط صبيح، وتكملة شرح فتح القدير 8 / 206، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 265، والزرقاني والبناني 5 / 266، وشرح المنهاج 3 / 286، وشرح المنتهى 2 / 278.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ بَاعَ مَالَهُ مِنَ الْغَرِيمِ، وَجَعَل الدَّيْنَ بِالثَّمَنِ عَلَى سَبِيل الْمُقَاصَّةِ صَحَّ إِنْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا. وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، فَبَاعَ مَالَهُ مِنْ أَحَدِهِمْ بِمِثْل قِيمَتِهِ يَصِحُّ، كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمِثْل قِيمَتِهِ، وَلَكِنَّ الْمُقَاصَّةَ لاَ تَصِحُّ، كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ. وَلَمْ نَجِدِ الْمَالِكِيَّةَ تَعَرَّضُوا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا، فَيَظْهَرُ أَنَّهَا عِنْدَهُمْ أَيْضًا مَوْقُوفَةٌ عَلَى نَظَرِ الْقَاضِي أَوِ الْغُرَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ (1) .

التَّصَرُّفُ فِي الذِّمَّةِ مِنَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ:

20 - لَوْ تَصَرَّفَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ تَصَرُّفًا فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ كِرَاءٍ صَحَّ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الصَّاحِبَيْنِ، لأَِهْلِيَّتِهِ لِلتَّصَرُّفِ، وَالْحَجْرُ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ لاَ بِذِمَّتِهِ، وَلأَِنَّهُ لاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ (2) . إِمْضَاءُ التَّصَرُّفَاتِ السَّابِقَةِ عَلَى الْحَجْرِ أَوْ إِلْغَاؤُهَا:
21 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلْمُفَلِّسِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ إِمْضَاءُ خِيَارٍ، وَفَسْخٌ لِعَيْبٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ قَبْل الْحَجْرِ، لأَِنَّهُ إِتْمَامٌ لِتَصَرُّفٍ سَابِقٍ عَلَى حَجْرِهِ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، كَاسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ أَوْدَعَهَا قَبْل الْحَجْرِ
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 / 62، وشرح المنهاج مع حاشية القليوبي 2 / 6286، وشرح المنتهى 2 / 278.
(2) الزرقاني والبناني على خليل 5 / 266، وشرح المنتهى 2 / 278، ونهاية المحتاج 4 / 306.

الصفحة 307