كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 5)

وَلَوْ أَنَّ الْمُفَلِّسَ أَوِ الْحَاكِمَ قَضَى دُيُونَ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ قَضَى بَعْضًا مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ التَّسْوِيَةُ الْمَذْكُورَةُ شَارَكُوهُ فِيمَا أَخَذَ بِالنِّسْبَةِ (1) .

مَا يُطَالَبُ بِهِ الْمُفَلِّسُ بَعْدَ قِسْمَةِ مَالِهِ:
55 - لاَ تَسْقُطُ دُيُونُ الْفَلَسِ الَّتِي لَمْ يَفِ مَالُهُ بِهَا، بَل تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ.
ثُمَّ إِنْ كَانَ هُنَاكَ أَرْضٌ أَوْ عَقَارٌ مُوصًى لَهُ بِنَفْعِهِ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، يَلْزَمُ بِإِجَارَتِهِ، وَيُصْرَفُ بَدَل الْمَنْفَعَةِ إِلَى الدُّيُونِ، وَيُؤَجِّرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إِلَى أَنْ تَتِمَّ الْبَرَاءَةُ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
أَمَّا تَكْلِيفُ الْمُفَلِّسِ حِينَئِذٍ بِالتَّكَسُّبِ، بِإِيجَارِ نَفْسِهِ لِسَدَادِ الدُّيُونِ الْبَاقِيَةِ، فَقَدْ قَسَّمَ الشَّافِعِيَّةُ الدُّيُونَ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الأَْوَّل: مَا كَانَ الْمُفَلِّسُ عَاصِيًا بِسَبَبِهِ، كَغَاصِبٍ، وَجَانٍ مُتَعَمِّدٍ، فَهَذَا يَلْزَمُ بِالتَّكَسُّبِ، وَلَوْ بِإِجَارَةِ نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُزْرِيًا بِهِ، بَل مَتَى أَطَاقَهُ لَزِمَهُ، قَالُوا: إِذْ لاَ نَظَرَ لِلْمُرُوآتِ فِي جَنْبِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَلأَِنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبَةٌ، وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ فِي حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ عَلَى الْوَفَاءِ.
الثَّانِي: مَا لَمْ يَعْصِ بِهِ مِنَ الدُّيُونِ، فَهَذَا لاَ يَلْزَمُهُ التَّكَسُّبُ وَلاَ إِيجَارُ نَفْسِهِ (2) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ أَطْلَقُوا الْقَوْل بِأَنَّ الْمُفَلِّسَ لاَ يَلْزَمُ بِالتَّكَسُّبِ وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 272، والزرقاني على خليل 5 / 273، ونهاية المحتاج 4 / 314، ومطالب أولي النهى 3 / 393.
(2) نهاية المحتاج 4 / 319، 320.
شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الدَّيْنِ. قَالُوا: لأَِنَّ الدَّيْنَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ (1) .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ أَطْلَقُوا الْقَوْل بِإِجْبَارِ الْمُفَلِّسِ الْمُحْتَرِفِ عَلَى الْكَسْبِ، وَإِيجَارِ نَفْسِهِ فِيمَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الصَّنَائِعِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَجْرِي مَجْرَى الأَْعْيَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، فَأُجْبِرَ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا، كَمَا يُبَاعُ مَالُهُ رَغْمًا عَنْهُ (2) .
ثُمَّ قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لاَ يُجْبَرُ الْمُفَلِّسُ عَلَى قَبُول التَّبَرُّعَاتِ، مِنْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، لِئَلاَّ يَلْزَمَ بِتَحَمُّل مِنَّةٍ لاَ يَرْضَاهَا، وَلاَ عَلَى اقْتِرَاضٍ. وَكَذَا لاَ يُجْبَرُ عَلَى خُلْعِ زَوْجَتِهِ وَإِنْ بَذَلَتْ، لأَِنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا، وَلاَ عَلَى أَخْذِ دِيَةٍ عَنْ قَوَدٍ وَجَبَ لَهُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مُوَرِّثِهِ، لأَِنَّ ذَلِكَ يُفَوِّتُ الْمَعْنَى الَّذِي لأَِجْلِهِ شُرِعَ الْقِصَاصُ.
ثُمَّ إِنْ عَفَا بِاخْتِيَارِهِ عَلَى مَالٍ ثَبَتَ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى التَّكَسُّبِ، وَلاَ يُؤَاجِرُهُ الْقَاضِي، لِسَدَادِ دُيُونِهِ مِنَ الأُْجْرَةِ (3) .

مَا يَنْفَكُّ بِهِ الْحَجْرُ عَنِ الْمُفَلِّسِ:
56 - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - وَمِثْلُهُمُ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا لَوْ بَقِيَ عَلَى الْمُفَلِّسِ شَيْءٌ مِنَ الدُّيُونِ - لاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ بِقِسْمَةِ مَالِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ أَيْضًا بِاتِّفَاقِ الْغُرَمَاءِ عَلَى فَكِّهِ، وَلاَ بِإِبْرَائِهِمْ
__________
(1) حاشية الدسوقي 3 / 270.
(2) كشاف القناع 3 / 439.
(3) كشاف القناع 3 / 440، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3 / 270، والفتاوى الهندية 5 / 63، والفتاوى البزازية 5 / 224، والزيلعي 5 / 199.

الصفحة 322